تركيا "أردوغان"قدمت نموذجاً خطيراً للدولة البلطجي؛ من الممكن أن يتكرر إذا تحققت شروطه في أي مكان أو زمان
كلمة بلطجي عامية في مصر ودول عربية أخرى، وأصلها تركي من مقطعين أولهما "البلطة" وهي آلة حادة للقطع والقتل، والثاني "جي"، وهي لاحقة في اللغة التركية؛ تستخدم للدلالة على صاحب مهنة، أو حرفة، أو صنعة، أو وظيفة.
والبلطجي هو من مهنته ابتزاز الناس، والحصول على أموالهم، وثرواتهم، وأملاكهم بالقوة، من خلال تهديدهم، وتخويفهم، وفرض أمر واقع عليهم، وهي مهنة مستهجنة مرفوضة وغير أخلاقية؛ لأن من يقوم بها خارج عن الأخلاق والأعراف والقوانين.
هناك عدة أصناف من الدول حسب القانون الدولي بجانب الدولة الطبيعية الملتزمة بالقوانين والأعراف؛ والتي تتعامل مع باقي الدول بمنطق سياسي مفهوم ومتوقع؛ فهناك "الدولة الفاشلة" Failed State وهي الدولة التي انهارت، أو ضعفت سلطتها المركزية؛ فلم تعد قادرة على إنفاذ القانون، وضبط الأمن في إقليمها الجغرافي.
ومن ثم تظهر فيها جماعات متنوعة عرقية وأيديولوجية ومصلحية وإجرامية تختطف قوة الدولة وتمارسها بصورة عنيفة وهمجية وغير قانونية، ومن الدول الفاشلة الصومال وليبيا، كلتاهما دولة تتحكم في أجزاء من إقليمها الجغرافي جماعات ومليشيات مسلحة تمارس العنف لتحقيق مصالح خاصة وضيقة وغير قانونية.
وهناك "الدولة المارقة أو العاصية" Rouge State، وهي دولة تمتلك سجلا طويلا من مخالفة القوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، وتسير عبر زمن طويل في طريق الخروج عن الشرائع الدولية، من أجل تحقيق مصالحها على حساب الآخرين، ولا تكترث بالمواقف الدولية المنددة بها، والرافضة لأفعالها، والنموذج الأشهر في هذا النموذج هو إسرائيل حاليا، وكوبا وبعض الدول الشيوعية سابقا.
وهناك نموذج "الدولة المنبوذة" " Pariah State"، وهي الدولة التي تخرج عن الإجماع الدولي، ويتم عزلها وتمتنع الأغلبية عن التعامل معها؛ لأسباب سياسية أكثر منها قانونية. وقد يتم استبعادها ونبذها لأسباب أيديولوجية أو عسكرية أو اقتصادية، والنموذج الأشهر لهذه الدول هي كوريا الشمالية.
لقد قدمت تركيا "أردوغان" نموذجاً خطيراً للدولة البلطجي؛ من الممكن أن يتكرر إذا تحققت شروطه في أي مكان أو زمان"، هذا النموذج هو الأخطر على الإطلاق.
أما النموذج الذي نقدمه اليوم، ولم يسبق أن عُرف سابقاً هو "الدولة البلطجي" "Pully State"، وهي دولة تستخدم أنماطا من القوة غير النظامية، أو النظامية لتحقيق مصالح اقتصادية، أو طموحات سياسية، أو الاستيلاء على أراضي أو موارد الجيران، وهي توظف ذلك في مناخ من الخداع، والتضليل، والتخويف، وتوظيف كل ما هو متاح من الوسائل والذرائع، والنموذج الوحيد لهذه الدولة هو تركيا في ظل حكم أردوغان.
ومن حقائق التاريخ أن وظيفة البلطجي كانت جزءاً لا يتجزأ من مؤسسات الدولة العثمانية؛ فقد كانت هناك فرقة من الحرس السلطاني تسمى "فرقة البلطجية"، وكان من أدوارها حماية نساء القصور، ومن هذه الفرقة خرج "سليمان باشا البلطجي" الذي عينه السلطان العثماني أحمد الثالث واليا على مصر عام 1704م.
تركيا أردوغان استغلت حالة الضعف العربي العام التي بدأت مع الانتفاضات والثورات والحروب الأهلية في العديد من الدول العربية، وتبنت نموذجا جديداً للبلطجة السياسية في التعامل مع دول الجوار القريب أولا؛ ثم في مرحلة لاحقة تم تطبيقه مع دول بعيدة جغرافيا، ولكنها تقع في دائرة الطموح الإمبراطوري العثماني الجديد. وكانت سورية والعراق أول من دفع ثمناً قاسيا للسلوك التركي الجديد الذي لا يراعي أية أعراف أو شرائع أو قوانين، ولا يحترم حقوق الجوار أو ميراث العلاقات.
ثم تم تطبيق هذه البلطجة السياسية على السودان والصومال، بفرض قواعد عسكرية أو الاستيلاء على مناطق وجزر بحجة أن العثمانيين كانوا هنا أو مروا من هنا وتركوا بناء قديماً.
ثم تجلى نموذج البلطجة التركي في أوضح صوره في ليبيا، فقد تم فرض اتفاقيات إذعان على طرف معدوم الإرادة، فاقد الشرعية، منقوص الوطنية لا ينتمي إلى الشعب الليبي من حيث الميراث الاجتماعي، بل ينتمي إلى الأتراك عرقا وولاءً.
وبعد تأمين هذه الاتفاقيات جاءت تركيا بعشرات الآلاف من المجرمين تطبيقا فعليا لنموذج البلطجة، فلم يأتي أردوغان بقوات نظامية من الجيش التركي؛ بل جاء بمرتزقة لا يحملون الجنسية التركية.
وقد تحقق ذلك لتركيا في أواخر العقد الثاني من الألفية الثالثة، وفي ظل صمت دولي غير مسبوق؛ لأن ما تقوم به تركيا يحقق أهداف دول كبرى وعظمى؛ لا تسمح لها نظمها القانونية، ولا شعوبها التي تحترم ذاتها، ولا مؤسساتها الراسخة، ولا مثقفوها وإعلامها أن تمارس البلطجة السياسية بصورة مباشرة.
فوجدت في تركيا أردوغان نموذجا للبلطجي القابل للتوظيف، وأردوغان بدوره قام باستخدام بلطجية سوريين وعرب من جنسيات مختلفة، وبذلك اكتمل نموذج البلطجة السياسية التي تتحد عناصره في الآتي:
أولا: قوة دولية عظمى أو كبرى لحماية الدولة البلطجي من تبعات أفعالها القانونية والحقوقية والإنسانية.
ثانياً: جهاز دعائي ضخم ومتعدد الوسائل وقادر على توظيف المقدسات والقيم لخدمة أهداف الدولة البلطجي.
ثالثاً: عملاء محليون يفتحون الباب للدولة البلطجي، ويساعدونها في السرقة والنهب والاستيلاء.
رابعاً: ضعف في المحيط الجغرافي المجاور لا يردع الدولة البلطجي عن ممارسة أفعالها الإجرامية.
لقد قدمت تركيا نموذجاً خطيراً للدولة البلطجي؛ من الممكن أن يتكرر إذا تحققت شروطه في أي مكان أو زمان، هذا النموذج هو الأخطر على الإطلاق؛ لذلك لا ينبغي الوقوف عند مواجهته، وصد عدوانه بل يجب القضاء عليه بصورة كاملة، بحيث لا يجرؤ أحد في تركيا أو في غيرها أن يفكر في تكراره بعد ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة