الإشكالية الحقيقية التي ستفرض نفسها: ماذا سيكون المشهد العسكري في مسرح العمليات داخل ليبيا؟ وكيف ستحدد أسس الاشتباك والمواجهة؟
مع طلب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من المشرعين في مطلع يناير الجاري أن يكونوا مستعدين للنظر في مقترح سيسمح بإرسال قوات إلى ليبيا، في تمهيد مرحلي للتدخل العسكري المباشر في ليبيا، تكون المواقف التركية بدأت في التبلور، واتخاذ إجراءات فعلية على الأرض في ظل التوقع بعدم وجود أية تحفظات حقيقية داخل البرلمان التركي، رغم ما يتردد من المعارضة التركية المسيسة على إرسال قوات عاملة في ليبيا تلبية لدعوة حكومة السراج بعد توقيع الاتفاق الأمني، وبعد أن طلبت مساعدة عسكرية من أنقرة في مواجهة الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، ووفقا للمعلن فإن الحكومة الليبية طلبت مساعدة عسكرية من تركيا انطلاقا من دعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في ليبيا، وتصديق البرلمان التركي على اتفاق للتعاون العسكري والأمني الموقع بين تركيا وحكومة الوفاق، ما يتيح لأنقرة تعزيز حضورها الاستراتيجي في ليبيا.
سيبقى السؤال: ماذا عن مواقف إدارة ترامب؟ وماذا عن توجهات الرئيس بوتين المصلحية، ورسائل الاتحاد الأوروبي المكررة تجاه تركيا الخاصة بفرض العقوبات، وأخيرا موقف حلف الناتو مما سيجري في ليبيا؟ وماذا لو تطورت الأمور عسكريا؟واللافت أن هذا الاتفاق دخل حيز التنفيذ بصورة غير معلنة، وارتبط ذلك بتوقيع أنقرة خلال زيارة السراج لها في 27 نوفمبر الماضي اتفاقا لترسيم الحدود البحرية، والتي تنوي الاستفادة منه لتفرض نفسها لاعبا مركزيا لا يمكن تجاوزه في استغلال النفط في شرق المتوسط، والسؤال: ماذا بعد؟ خاصة أن سير العمليات العسكرية لم يحسم لأي طرف حتى الآن، وهو ما سيتيح للجانب التركي الدخول بقوة على الخط، بل العمل على دعم حكومة السراج وبدون مرجعيات دولية، وفي ظل صمت روسي أمريكي لافت بصرف النظر عن المواقف الدبلوماسية التي تتردد من موسكو وواشنطن، وانتظارا للقاء بوتين-أردوغان؛ حيث ستوضع المصالح السياسية والاستراتيجية قبل أي اعتبار آخر، وهو ما يحرص عليه الجانبان؛ حيث الدعم الروسي لتركيا في منظومة التسليح S400، والتي كانت محل تجاذب أمريكي تركي طوال الأشهر الأخيرة، بالإضافة للوعود التركية الروسية لنقل الغاز إلى أوروبا، ورغم كل ما يتردد عن مسار العقوبات وتفعيلها على الجانب التركي، سواء كان من الاتحاد الأوروبي أم الولايات المتحدة.
والإشكالية الحقيقية التي ستفرض نفسها ماذا سيكون المشهد العسكري في مسرح العمليات داخل ليبيا؟ وكيف ستحدد أسس الاشتباك والمواجهة، التي ستحدد دور كل طرف مثلما جرى في سوريا بين إسرائيل وروسيا من جانب وإسرائيل والولايات المتحدة من جانب آخر، إضافة للتحالفات الوكيلة في مواقع وجودها؟ وهو ما سيتكرر في الحالة الليبية، التي ستؤدي إلى تفاعلات جديدة عسكريا، وليس فقط مجرد حسم المواجهة أو دعم السراج في مواجهة حفتر، وهو ما يعني في محصلته أن الدور التركي لن يكون وحده الحاسم، والذي سيرجح في ظل خريطة معقدة من الداخل، ووجود أطراف إقليمية مؤثرة سيكون لها القدرة على التدخل والمواجهة أيضا بعيدا عن حسابات القوة الاستراتيجية، والتي لا تعمل لصالح تركيا أصلا، وفي ظل تفوق مقابل على مستوى القدرات التسليحية وقوة النيران والجو، وهو ما سيكون مؤثرا في حال التصعيد العسكري، وتركيز الجانب التركي على العمل على الأرض من خلال القوات البرية في سيناريو يشابه ما جرى في عملية نبع السلام وما قبلها.
ولكن الإشكالية التي لا يضعها الرئيس التركي في اعتباره أن قواعد الاشتباك العسكري مختلفة تماما في الحالة الليبية، وأن الحسم سيتم بصور ومواجهات مختلفة سياسيا واستراتيجيا وعسكريا، ومن ثم فإن الذهاب إلى ليبيا والمشاركة في العمليات الجارية لن يكون سهلا، خاصة أن قوات المشير حفتر بدأت في الزحف على مواقع متقدمة بالقرب من طرابلس، وهو ما يمكن أن يكون مدخلا لتوسيع نطاق العمليات وحسم الأمر، وإن كانت رؤية الرئيس التركي القاصرة أن المشكلة ليست في حسم الأمر لصالح السراج أو حفتر وإنما التمركز في ليبيا وإقرار المصالح الاستراتيجية في المتوسط وتأمين الحدود البحرية التركية، وإيجاد دور تفاوضي لاحقا في صراع إقليم المتوسط بأكمله، فالوجود في ليبيا خطوة نحو خطوات لإعادة الانتشار التركي في المنطقة المغاربية وساحل المتوسط، بصرف النظر عن ردود الفعل السلبية الداخلية لزيارة الرئيس التركي أردوغان لتونس، فالسعي التركي لن يتوقف بل سيمتد إلى جنوب ليبيا وكمدخل لجنوب الساحل والصحراء، ومن ثم فإن دخول القوات التركية لمسرح العمليات في ليبيا سيرتبط لاحقا بتنفيذ المخطط التركي للمتوسط وللمنطقة المغاربية وصولا للمناطق الاستراتيجية المتماسة أفريقيا.
وسيبقي السؤال: ماذا عن مواقف إدارة ترامب؟ وماذا عن توجهات الرئيس بوتين المصلحية، ورسائل الاتحاد الأوروبي المكررة تجاه تركيا الخاصة بفرض العقوبات، وأخيرا موقف حلف الناتو مما سيجري في ليبيا؟ وماذا لو تطورت الأمور عسكريا وطلب الجانب التركي تدخل قطع بحرية من الحلف في المواجهة في شرق المتوسط أو تقديم الدعم اللوجستي لتركيا في مسرح العمليات في ليبيا.. تساؤلات شائكة في دائرة محددة سيحكمها بالأساس ردود الفعل العاجلة، أو فقل المخطط له سلفا.
1
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة