حصاد 2019 في الثورة هو أن بعض فصائل المعارضة تقاتل اليوم لحساب الأتراك في ليبيا، وربما بعد بضعة أشهر تشكل هذه الفصائل طابورا خامسا
عندما يحمل "ثائر" سوري سلاحه ليقاتل إلى جانب الأتراك في ليبيا فهذا يعني أنه لم يكن يوماً ثائراً، لن تعثر على مبرر أخلاقي لهذا، وستجد نفسك أمام خيارين يتيمين في تعريف هذا "الثائر"، إما إنه إرهابي يلتحق بساحات القتال؛ حيث يتاح له ممارسة تطرفه، وإما إنه مرتزق يبحث عن فرصة عمل أفضل من الحرب السورية، وفي الخيارين يصبح هذا المقاتل خارج معادلة ثورة شعب على نظام جائر.
لا يبدو الرهان على مراجعة ذاتية من قبل أمراء الحرب أو شيوخ السياسة فيها أمراً مشجعاً في العام الجديد، ولكن عليهم أن يعرفوا أن السوريين المحكومين بالأمل -كما يقول سعد الله ونوس- قد يبخلون بالغفران لاحقا على أي شخص سرق ثورتهم
لا ينقص فصائل المعارضة المسلحة عار جديد يزيد من نفور السوريين منهم، ليس الموالون للحكومة الذين يعتبرونهم جماعات إرهابية، وإنما أولئك الذين فتحوا لهم أبوابهم وفوضوا أمرهم لهم، أولئك الذين ظلوا يدعمونهم رغم كل الخسارات التي لحقت بهم في الميدان، وتنطوي على اتفاقات وصفقات كانوا جزءا منها، أولئك الذين وهبوا أولادهم للجولاني وعلوش والشامي بوصفهم حراس الثورة.
عندما شاركت الفصائل المسلحة الجيش التركي في عدوانه على الشمال السوري قبل أشهر خرجت أفواه وأقلام المعارضة تبرر لهم ذلك بالثأر من القوات الكردية التي احتلت مدناً عربية بعد تحريرها من داعش، إشارات استفهام كثيرة تدور حول هذه الذريعة، ولكن يبقى ميدان القتال سياسياً وعسكرياً هو الأرض السورية، ومن ثم يمكن فهم الأمر في سياق حرب كثرت أخطاء كل الأطراف المحلية فيها.
ما الحجة التي يمكن أن تدافع بها المعارضة عن الفصائل المشاركة في حرب ليبيا؟ نزعة عروبة، أم حاجة إلى وظائف حماية المقرات العسكرية الليبية كما يبرر أحد قادة ما يسمى بالجيش الوطني، أو ربما يكون رد الجميل للأتراك الذين احتضنوا اللاجئين، يعرف ساسة المعارضة أن لا شيء يبرر قتال الفصائل السورية في ليبيا إلا أنهم يعملون تحت إمرة الأتراك، ومن هو ليس كذلك لا يسمع له صوت.
انتقال الفصائل السورية المسلحة إلى ليبيا يبدو لي نتيجة منطقية في سياق كل ما بدر منهم، فقد سلموا جميع المناطق السورية التي سيطروا عليها للروس تنفيذا لأوامر الأتراك، كلما كان رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين يتفقان على منطقة ما تسلمها فصائل المعارضة وتخرج إلى إدلب، وعندما جاء دور إدلب بدأوا بتسليمها تدريجيا ثم راحوا يبحثون عن مناطق أخرى يقاتلون فيها لصالح السلطان.
أن تقاتل كثائر سوري خارج الأراضي السورية فهذا يعني أنك مرتزق، وهذه خطيئة بحق الثورة والثوار، وأن تقاتل كسوري فوق أرضك تحت راية الاحتلال التركي أو الإسرائيلي أو الأمريكي أو الإيراني أو الروسي هو خطيئة بحق الوطن ككل، أما أن تقاتل باسم حزب العمال الكردستاني أو جماعة الإخوان أو جبهة النصرة أو الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله اللبناني، فهذا يسمى إرهاباً لا يختلف عن إرهاب داعش.
حصاد 2019 في الثورة هو أن بعض فصائل المعارضة تقاتل اليوم لحساب الأتراك في ليبيا، وربما بعد بضعة أشهر تشكل هذه الفصائل طابوراً خامساً يحارب من أجل أردوغان في السودان أو الخليج أو العراق، أو ربما تكون رأس حربة السلطان في فتح دول في قارات العالم القديم والجديد، كل شيء يهون كرمى لعيون الوالي العثماني، ومرحبا بسفر برلك جديد، أو بأيام الضيم والهلاك كما يسميها بعض العرب.
المفارقة أن هذه الفصائل تجلس على طاولة اللجنة الدستورية لتضع دستوراً جديداً للدولة السورية، وهذه الفصائل تمثل الثورة في هيئة التفاوض واجتماعات أستانة وجنيف، وبينما تنتقد هذه الفصائل الأسد في ولائه لإيران وروسيا تضع هي الولاء لتركيا فوق كل اعتبار، ومن أجل أردوغان تبيع الثورة والثوار وتقدم التنازلات وتقاتل السوريين، والآن هي تقاتل في حرب خارج البلاد لا ناقة لها فيها ولا جمل.
لا تمثل الفصائل المسلحة استثناء في المعارضة السورية التركية، فرئيس حكومة الائتلاف السوري عبدالرحمن مصطفى يضع العلم التركي خلفه في مكتبه، صحيح أنه لا يجرؤ على اتخاذ قرار واحد في مناطق الفصائل المسلحة؛ لأن الكلمة الأولى والأخيرة هناك للأتراك، ولكن لذلك لا يمنع من التمتع ببعض مظاهر الترف والسلطة التي توفرها أنقرة للائتلاف كي يبدو ممثلاً لملايين اللاجئين حول العالم.
العديد من المعارضين السوريين كانوا ضمن الائتلاف وغادروه بسبب انتهازية الفئة المسيطرة عليه، تلك الفئة التي تشكل من جماعة الإخوان وعبيد أردوغان وساسة من الدرجة العاشرة، قوة تهيمن على ذلك الجسد الذي يمتلك ثمانية مقاعد في هيئة التفاوض، وهو يشكل مع سبعة ممثلين عن الفصائل المسلحة تحالفاً ضاغطاً على الهيئة التي تضم ستة وثلاثين عضواً يمثلون المعارضة السورية دولياً.
يعرف الائتلاف والفصائل المسلحة أن رصيدهما الشعبي في عام 2019 تراجع إلى أدنى مستوياته، ويكفي أن تتابع وسائل التواصل الاجتماعي كي تتلمس النقمة الكبيرة من السوريين المعارضين اللاجئين على أدائهما كممثلين لملايين ضحوا بكل شيء من أجل الثورة على الاستبداد، كذلك يمكن أن ترى هذه النقمة واضحة في المظاهرات التي خرجت ضدهم في المناطق التي لا تخضع لسلطة النظام حتى الآن.
طويت صفحة العام الماضي بكثير من الهفوات لمنصة أنقرة للمعارضة، الساسة فيها والمسلحين. لا يبدو الرهان على مراجعة ذاتية من قبل أمراء الحرب أو شيوخ السياسة فيها أمراً مشجعاً في العام الجديد، ولكن عليهم أن يعرفوا أن السوريين المحكومين بالأمل -كما يقول سعد الله ونوس- قد يبخلون بالغفران لاحقاً على أي شخص سرق ثورتهم وباع أحلامها لتجار الحروب والسماسرة والمنافقين، و"ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة