ليس لدي أدنى شك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيعض أصابع الندم بسبب قراره المتعجل بغزو الشمال السوري
ليس لدي أدنى شك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيعض أصابع الندم، بسبب قراره المتعجل بغزو الشمال السوري.
من الواضح أن تلك العملية كان يهدف منها أردوغان إلى الهروب للأمام، ونقل القضية من الداخل الذي فقد فيه كثيراً من ألقه إلى الخارج، ولكن فغزو سوريا بحجة أنه يهدف إلى حماية أمن تركيا القومي من الإرهاب الكردي، ليس قراراً مقنعاً، فالأكراد عرق يُشكل من الديموغرافيا الكردية في تركيا نسبة كبيرة وفي العراق وفي إيران وكذلك في الشمال الشرقي من سوريا أقليات وازنة، وإن كان يعتقد أردوغان أنه بالقوة المسلحة يستطيع أن يقضي على الأكراد فهو بلا شك واهم، وتتملكه أحلام يعوزها كثير من العوامل لتكون واقعية، ومن المضحك أن يسمي جيشه الغازي بالجيش المحمدي، كما جاء في تغريدة له باللغة العربية، وكأن من يقاتلهم هم كفار وليسوا مسلمين، ناهيك عن أنه يعيش خصومات مع أغلب دول المنطقة، من شأنها أن تسعى إلى العمل على "توريطه" أكثر، لا سيما أن الاقتصاد التركي اقتصاد هش ومنهك، وغزوه هذا قد يتحول إلى عملية "استنزاف"، إذا طال زمنها ستؤدي بالاقتصاد التركي إلى ما لا يحمد عقباه.
أكاد أجزم بأن الأكراد في حربهم مع تركيا سينتهجون أسلوب حرب العصابات، التي ستجعل السحر في نهاية المطاف ينقلب على الساحر، ويهوي بشعبية أردوغان إلى الحضيض.. والأيام بيننا
فالساحة السورية الآن يتنازعها كثير من التجاذبات، وتتقاطع فيها كثير من المصالح التي تجعل قضية الغزو قد تكتنفها من التبعات والتطورات ما قد يخلق للأتراك عوائق شائكة، لا سيما أن "المسكوت عنه" الآن قد يجري كشفه للعلن مستقبلاً، فالجميع -مثلاً- يعرف أن تركيا كانت بمثابة "البوابة" التي يسلكها الدواعش عند دخولهم إلى سوريا والعراق، ويتم ذلك تحت أعين المخابرات التركية، أضف إلى ذلك أن شركات خاصة يملكها أردوغان وولده بلال "يتاجرون" في النفط السوري الذي تسرقه داعش، و"يُثرون" من ذلك، وسبق لأحد الجنرالات الروس أن صرح بذلك علناً. وفي تقديري أن هذه الحرب وتداعياتها ستطفو على السطح، بالشكل الذي يجعل ادعاء أردوغان أنه يحارب الإرهاب، مثل الذئب الذي يدعي أنه يحرص على حماية قطيع الأغنام، في حين أنه يفترسها إذا سمحت له الفرص، وابتعدت عنه أعين الرقابة، ولا أعتقد أن أردوغان يجهل خطورة هذه التبعات على تركيا أولاً وعلى سمعته ثانياً، إلا أن فشله الذريع في إدارة الداخل التركي وكثرة الجبهات المناوئة له، وتخلي بعض الرفاق المؤسسين لحزبه عنه، جعله يقدم على مثل هذه العملية غير المضمونة العواقب.
وقد أثبت تاريخ الحروب في العصر الحديث أن حروب العصابات هي من أصعب المصاعب التي تواجه الجيوش المنظمة، وليس أدل على ما أقول من تجربة الأمريكيين في حرب فيتنام، وكذلك حربهم مع عصابات طالبان في أفغانستان، وأكاد أجزم بأن الأكراد في حربهم مع تركيا سينتهجون أسلوب حرب العصابات، التي ستجعل السحر في نهاية المطاف ينقلب على الساحر، ويهوي بشعبية أردوغان إلى الحضيض.. والأيام بيننا.. إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة