الشيء الذي ينبغي ألا يفوتنا في التحرك السياسي للنظامين التركي والإيراني
حين يكتب معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في "تغريدة" له: بأن هناك عدة محاور إقليمية تتقاطع في رغبتها بتوسيع نفوذها على حساب العالم العربي، فإن ذلك لابد أن يقلق العرب جميعاً ولا يترك مجالاً للاطمئنان للتحركات الإيرانية والتركية الساعية، ظاهرياً، لبناء علاقات سياسية وتعاونية سواء على مستوى الأنظمة العربية أو على مستوى المليشيات، "الفن" الذي تجيد إيران رسمه، وذلك من خلال "استراق" القضايا العربية الجوهرية التي توفر لهم شرعية سياسية عربية وإسلامية مثل قضية القدس، التي يتوقع لها أن تكون محور التنافس السياسي خلال عام 2018، أو من خلال تقديم دعم مالي واستثماري.
وحين يطالب معاليه بتعزيز المحور العربي من خلال عمودَيْه الرياض والقاهرة، فإن الكلام ينبغي أن يُؤخذ على محمل الجد، على أساس أن هناك تراجعاً محسوساً للدور العربي تستغله الدولتان الآن بشكل واضح في ملء الفراغات السياسية، بل الأخطر من ذلك أن تحركات هاتين الدولتين تعقِّدان من العلاقات العربية - العربية بل الأسوأ من ذلك، تخلق خلافات سياسية بين الدول العربية وفق سياسة "فرق تسد".
أفضل طريقة لإعادة الدور العربي في إقليمه بدلاً من أن يكون "ساحة" للمهارات السياسية للدول الأخرى، هو العمل على إخراج النظام العربي من مأزقه وتأهيل دور الجامعة العربية، بالتنسيق بين الدول الفاعلة سياسياً، وإلا فإن النفوذ السياسي للآخرين، داخل الدول العربية، بات أمراً لا مفر منه.
التكاتف العربي والتنسيق -كما ذكر الدكتور أنور- مطلوب لأنه دليل على إدراك أن العالم كله اليوم يسير نحو هيكلة العلاقات بين الدول، مع وجود كل الاختلافات السياسية، فالمصالح الاستراتيجية تفرض النظر إلى المصلحة الكبرى وليس المصالح الضيقة، خاصة أن النظامين الإيراني والتركي يتميزان بالبرغماتية السياسية، فتركيا، الدولة التي يزور رئيس وزرائها العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، ويناقش مسألة التفاهم فيما يهدد استقرار المنطقة، قد أرسلت مجموعة جديدة من قواتها العسكرية إلى قطر الدولة المزعجة للسياسة الخليجية. وإيران الدولة التي سحبت نور المالكي، رجل إيران في العراق، في العام 2014 كونه السبب الرئيس في انتشار "داعش" في العراق وانهيار جيشه، اليوم هو الذي يتحرك سياسياً من أجل عودته للسلطة لخدمة نظام الملالي.
الشيء الذي ينبغي ألا يفوتنا في التحرك السياسي للنظامين التركي والإيراني أنهما لا يتوقفان عند تطوير أساليب التعاون مع حلفائهم التقليديين، قطر وسوريا ولبنان، بل أحياناً يدمرونهم، المؤشرات تقول إن ازدواجية تركيا في التعامل بين الرياض وقطر هي دليل على أن أهمية الرياض للاستراتيجية التركية أكبر، وأن التعامل مع قطر ليس إلا ورقة للاستفادة منها.
الأهم من ذلك أن النظامين لا يجدان حرجاً إذا تسببا في إحداث إزعاج سياسي للأطراف الأخرى، تركيا وقفت مع المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد في بداية الثورة؛ ولكنها اليوم هي مع نظام بشار ضد المعارضة، الأمر يقابله في إيران التي تشتم الولايات المتحدة وإسرائيل ليل نهار، ولكن على أرض الواقع لا يوجد ما يؤكد أنها تدافع عن القضايا الإسلامية والعربية، هناك الكثير من هذه النماذج.
الشيء الذي لم يدركه الرأي العام العربي عن النظامين التركي والإيراني، أن تحركاتهما تحمل مصالح شخصية ووطنية لبلدانهم بتأييد العرب أنفسهم، أما (أسوأ شيء) في العلاقات العربية السياسية أن نختلف مع بعضنا من خلال إدخال العاطفة في السياسة ونرجح كفة النظامين.
التفسير الواقعي لتحركات الدولتين، ومعها باقي دول العالم، أن الكل اليوم يتحرك سياسياً لمصلحة بلاده إلا العالم العربي أو تجاوزاً (الوطن العربي)، فالكل أمام لحظة تاريخية في منطقتنا من أجل إعادة ترتيب العلاقات والأحلاف، فهذا ما يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي رشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة في دلالة على تثبيت المكتسبات التي حققها دولياً، وهو نفس الشيء الذي تفعله الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، وكذلك فرنسا التي عادت إلى الإشراف على "حديقتها الخلفية" في القارة الأفريقية، وفي هذا المشهد يبدو أن العرب هم الاستثناء حتى في حماية أنفسهم من التدخل، فالمشكلة الأكبر فيما يحصل أن الكل يبحث عن مصالحه في مقابل أن العرب يتباعدون، وتركيزنا ينصب فقط في متابعة ما يفعله الآخرون في إقليمنا.
أفضل طريقة لإعادة الدور العربي في إقليمه بدلاً من أن يكون "ساحة" للمهارات السياسية للدول الأخرى، هو العمل على إخراج النظام العربي من مأزقه، وتأهيل دور الجامعة العربية بالتنسيق بين الدول الفاعلة سياسياً، وإلا فإن النفوذ السياسي للآخرين، داخل الدول العربية، بات أمراً لا مفر منه والخسائر العربية في كل المجالات، في تزايد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة