"عملاق لا يمكن السيطرة عليه".. إسطنبول تدفع فاتورة الجغرافيا

مع تصاعد التوتر مؤخرًا بين إيران وإسرائيل وعودة حروب الظل مجددًا بين البلدين، كانت تركيا ساحة لتصفية حساب طهران وتل أبيب.
فالبلد الذي يمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا، جعله في نهاية الأمر منطقة حساسة لجميع أجهزة الاستخبارات في المنطقة، بشكل فتح الباب أمام العديد من المشكلات المحتملة، والتي كان آخرها التوترات بين إيران وإسرائيل.
فإسرائيل التي دعت مساء الإثنين مواطنيها إلى أن يغادروا في أقرب وقت إسطنبول نظرًا لوجود تهديدات من إيران، تتعاون بشكل كبير مع أنقرة في إحباط محاولات الاعتداء على مواطنيها في مدينة إسطنبول وغيرها من المدن التركية.
إلا أن تلك الدعوة الإسرائيلية كان لها وقع سيئ على تركيا التي تواجه أزمة اقتصادية حادة وتضخمًا متسارعًا، بحسب حميد كوك، عضو إدارة اتحاد وكلاء السفر، الذي قال إن السياح الإسرائيليين ليسوا الأكثر عددًا، لكن نحو 160 ألفًا منهم زاروا تركيا في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة.
بلد آمن
وردت أنقرة الثلاثاء في بيان صادر عن وزارة خارجيتها بأن "تركيا بلد آمن وتواصل محاربة الإرهاب داخل وخارج حدودها".
وفيما لم يذكر البيان التركي إسرائيل بالاسم، إلا أنه جاء ردًا على التحذيرات المثيرة للقلق لوزير خارجية إسرائيل يائير لبيد، خاصة وأن الصحافة الإسرائيلية تحدثت، بالتفصيل أحيانًا، عن "محاولات اعتداء على سياح إسرائيليين في إسطنبول، أحبطت بفضل تعاون الأجهزة التركية والإسرائيلية."
وقال خبراء لوكالة فرانس برس، إنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الإيرانيون تصفية حساباتهم على الأراضي التركية.
سافاش بورغام، الصحافي والباحث الإيراني المقيم في تركيا، أضاف أن "الإيرانيين ينفذون عمليات اغتيال وخطف على الأراضي التركية طوال الوقت، لكنهم يستهدفون عمومًا المعارضين الإيرانيين".
أعمال انتقامية وخطف
وأكد الباحث الإيراني، أن طهران تسعى بمهاجمة الإسرائيليين، لتحقيق هدفين: "تنفيذ أعمال انتقامية ردًا على اغتيال مسؤول إيراني، مدني أو عسكري" أو الخطف بهدف المساومة.
وفي فبراير/شباط الماضي، حالت الاستخبارات التركية دون اغتيال رجل الأعمال التركي الإسرائيلي يائير غالر على يد الإيرانيين، في حادث كان سيمثل انتقامًا لاغتيال محسن فخري زاده، أحد مهندسي البرنامج النووي الإيراني الذي قتله جهاز الموساد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
إلا أنه مما زاد الطين بلة، أن العلاقات لا تبدو جيدة حاليًا بين طهران وأنقرة، بحسب نهاد علي أوزجان، الضابط السابق في الجيش التركي وأستاذ القانون والمحلل، الذي تحدث عن "منافسة شديدة" بين أجهزة استخبارات البلدين، مشيرًا إلى أن تركيا تعمل على تغيير تحالفاتها في الشرق الأوسط من خلال التقرب من الإمارات والسعوديين وكذلك إسرائيل.
نشاط تركي
وأضاف أن تركيا تنشط –كذلك- في شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني وحلفائه الشيعة" الذين يحظون بدعم من طهران، على حد قوله.
ونفذت تركيا عملية في شمال العراق منتصف أبريل/نيسان الماضي، استهدفت قواعد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون على أنه حركة "إرهابية".
ويهدد الرئيس رجب طيب إردوغان بالتدخل ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي في شمال سوريا لتأمين حدوده، الأمر الذي يثير استياء طهران.
لكن أوزجان يقول إنه، "منذ الثورة الإيرانية قبل 40 عامًا، تنشط إيران في تركيا حيث تحتفظ أجهزتها بالعديد من الخلايا"، مضيفًا: "حتى في حالة توتر العلاقات السياسية، تتعاون الأجهزة الإسرائيلية والتركية من وراء الكواليس وتتبادل المعلومات".
منقطة حساسة
وأشار إلى أن تركيا تظل في نهاية الأمر منطقة حساسة لجميع أجهزة الاستخبارات في المنطقة: الإيرانية والإسرائيلية والروسية وحتى الأوكرانية، مؤكدًا أن وجود كل أجهزة مكافحة الإرهاب هذه يفتح الباب أمام "العديد من المشكلات المحتملة".
لكن رغم العديد من كاميرات المراقبة العامة والخاصة، تظل مدينة إسطنبول عملاقًا "ضخمًا لا يمكن السيطرة عليه"، كما يقول عالم الجغرافيا الفرنسي جان فرانسوا بيروز، المطلع على الوضع في المدينة.
فمع سكانها البالغ عددهم 17 مليون نسمة وامتدادها عبر قارتين على أبواب الشرق الأوسط والقوقاز، ترقى اسطنبول إلى مستوى سمعتها باعتبارها "وكرًا للجواسيس".
ويقول بيروز إنه "منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأولى، يتيح اتساع المدينة لمختلف أجهزة الاستخبارات تعقب خصومها وإخفاء هوية عملائها".
ومن بين المجتمعات العديدة التي تعيش على شواطئ البوسفور، فإن الإيرانيين المقيمين رسميًا فيها وعددهم نحو 113 ألفًا هم من بين الأفضل تمثيلا. كما أنهم أفضل مشتري العقارات وإن تجاوزهم الروس منذ أبريل/نيسان.