تركيا وكردستان العراق.. استفتاء أعاد تاريخ العداء
الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان يهدد باستخدام كل الخيارات منها الخيار العسكري للرد على استفتاء استقلال إقليم كردستان
بعد مرور 24 ساعة من استفتاء انفصال إقليم كردستان شمال العراق، بدأت المواقف تزداد اشتعالا بين الجانب التركي والكردي، حيث هدد أردوغان في حديث له اليوم الثلاثاء، باستخدام كل الخيارات ومنها الخيار العسكري للرد على استقلال الإقليم بعد خطوة الاستفتاء التي عارضها الجانب التركي الذي يرى أن الاستفتاء يهدد أمنه القومي ويثير النزعة الانفصالية بين الأكراد في تركيا.
ومن الجانب الآخر قال مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان: "إن على الجميع القبول بخيار شعب كردستان، مؤكداً "بدأنا مرحلة جديدة وهي تشكل انتصارا لشعب كردستان".
رد الفعل التركي تجاه الاستفتاء الكردي يعيد إلى الأذهان تاريخ العداء بين الأتراك والأكراد، والذي بدأ عام 1924 منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية، ووضع المبادئ الدستورية الستة وفي مقدمتها القومية التركية، وبذلك تم تجريد الأكراد من هويتهم داخل تركيا، ويقدر عددهم اليوم بنحو 14 مليونًا من بين 76 مليونًا هم تعداد الشعب التركي، ليمثلوا 15.7% من إجمالي السكان.
وفي سبعينات القرن الماضي نشأ حزب العمال الكردستاني حاملاً شعار تحرير وتوحيد كردستان، وتم النزاع المسلح بين الجانبين ليقع أكثر من 45 ألف قتيل وتدمير أكثر من 5 آلاف قرية كردية، وبعد سنوات من الصراع أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق نار عام 1992، وبعد سنوات أعتقل زعيم الحزب عبدالله أوجلان.
وفي عام 2015 عاود الحزب حمل السلاح متسببا في رد عنيف للسلطات التركية وتهجير للآلاف من السكان، لمنع أي أصوات تنادي بالاستقلال أو تكوين دولة لهم مستقلة.
تسليح الأكراد
يمثل الأكراد نسبة من السكان في شمال العراق وسوريا وتركيا، وتم الاستعانة بهم في سوريا والعراق من أجل مقاتله تنظيم داعش الإرهابي، مما دفع واشنطن إلى تقديم السلاح لهم بصفة مستمرة بخلاف تقديم دعم روسي أيضاً، وقد أدى الدعم الأمريكي للأكراد إلى توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن رغم تعهدات الأخيرة بسحب تلك الأسلحة بعد انتهاء القضاء على التنظيم.
تعاون أردوغان وبرزاني
لم يخف رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، في أكثر من مناسبة، تقديمه الدعم لرؤية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيال القضية الكردية، وحربه الشرسة ضد حزب العمال الكردستاني.
وقال برزاني إنه أجرى العديد من اللقاءات المباشرة مع أردوغان، وأنه واثق من رغبة الأخير في إنهاء الأزمة الكردية في تركيا وباقي دول المنطقة، كما عبر برزاني، عن استيائه من الهجمات التي ينفذها "حزب العمال الكردستاني".
جمعت الثلاث سنوات الماضية علاقات اقتصادية متينة بين إدارة إقليمية كردستان العراق وبين الجانب التركي في مجال الطاقة، واعتبرت أكبر الشركاء الاقتصاديين للإقليم في المنطقة.
كما شهدت تلك الفترة تنسيقا عسكريا وأمنيا بين أربيل وأنقرة للتصدي لهجمات "داعش" على حدود الإقليم الجنوبية، ويعود الحضور العسكري التركي في العراق إلى العام 1992، عبر نشر نحو 15 ألف جندي في إقليم كردستان العراق، ضد مواقع حزب العمال الكردستاني.
ووفقا لمعهد واشنطن للأبحاث، تحول النفوذ العسكري التركي في إقليم كردستان العراق إلى "وجود مفتوح الأفق.. أصبح عبارة عن قوة بحجم لواء للحد من استخدام حزب العمال الكردستاني للمنطقة كملاذ آمن ونقطة انطلاق".
ويرى محللون أن تقارب برزاني مع تركيا في تلك الفترة جاء على خلفية التناحر الكردي – الكردي، وبحث برزاني عن دور القائد الأول للأكراد، وكسب التأييد الشعبي له في مختلف دول المنطقة.
الاستفتاء خيانة أم حق مشروع
السابع من يونيو الماضي، أعلن رئيس الإقليم مسعود برزاني أنه سيتم إجراء استفتاء في مناطق العراق الكردية في 25 سبتمبر على إقامة دولة مستقلة، ويشكل الاستفتاء نواة لإقامة دولة مستقلة كحلم يسعى الأكراد إلى تحقيقه منذ أن نال الإقليم المكون من 3 محافظات في شمال العراق حكما ذاتيا في عام 1991، استفتاء عارضه الجميع وبوجه خاص النظام التركي الذي يرى أن الاستفتاء يهدد أمنه القومي ويثير النزعة الانفصالية بين أكراد تركيا، وقد يدفعهم لمزيد من التمرد.
تهديد ومناورات عسكرية
تم الاستفتاء وزادت التهديدات التركية حتى وصلت لحد التلويح بتوجيه ضربة عسكرية، حيث أكد الرئيس التركي أن كل الخيارات متاحة، من الإجراءات الاقتصادية إلى الخطوات العسكرية البرية والجوية.
وأضاف أن تركيا لن تتردد في استخدام تلك الوسائل، متهماً مسعود بارزاني بالخيانة لمضيه قدما في إجراء استفتاء على الانفصال، محذرا من أن أكراد العراق سيتضورون جوعا عندما تمنع تركيا شاحناتها من عبور الحدود.
خطاب أردوغان اليوم حول استفتاء الانفصال هو الأشد حدة، حيث قال: "في حال لم يتراجع الرئيس الكردستاني مسعود بارزاني وحكومة إقليم كردستان عن هذا الخطأ في أقرب وقت ممكن، فسيلازمهم تاريخيا عار جر المنطقة إلى حرب إثنية وطائفية".
وتابع قائلاً: "جميع الخيارات على الطاولة حاليا وتجري مناقشتها ستكونون أنتم (حكومة إقليم كردستان) محاصرين من لحظة البدء بتطبيق العقوبات".
كما قال وزير الخارجية التركي، إن كل الخيارات مطروحة بما في ذلك إجراء عملية مشتركة مع العراق.
وبالتزامن مع إجراء الاستفتاء أعلنت القوات المسلحة التركية بدء المرحلة الثالثة من المناورات التي تجريها بمنطقة "سيلوبي- خابور" على الحدود مع العراق بمشاركة وحدات من القوات المسلحة العراقية.
وأفاد بيان صادر عن رئاسة الأركان التركية، مساء يوم الاستفتاء، بأن "الوحدات العسكرية العراقية التي ستشارك في هذه المرحلة من المناورات وصلت إلى المنطقة".