شهدت الساحة الليبية في الأسابيع القليلة الماضية تحولات عدة تبعث على التفاؤل.
بإمكانية الخروج من أزمة هذا البلد التي قاربت على إكمال عقد كامل من الزمن على اندلاعها، تمثل أبرزها في الإعلان عن تأسيس اللجنة الاستشارية لملتقى الحوار السياسي؛ وهي اللجنة المعنية بمناقشة القضايا المتعلقة باختيار السلطة التنفيذية الموحدة في البلاد، وإجراء انتخابات للمجالس البلدية في أربع مناطق بغرب ليبيا، وتواصل الجهود التي تقودها بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا لتهيئة الأجواء أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المقررة في الـ24 من ديسمبر المقبل، وفق نتائج الحوار الذي احتضنته تونس في نوفمبر الماضي، وأخيراً مقترح أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لإرسال مراقبين دوليين لمراقبة خط وقف إطلاق النار "خط سرت – الجفرة".
لكن يبدو أن هذه التطورات لا تريح تركيا التي تعلم جيداً أن أية توافقات سياسية في هذا البلد لن تضمن لها أي نفوذ أو وجود سياسي كما كانت تخطط من قبل، ولعل هذا هو ما دفعها إلى الإسراع إلى "استدعاء" 16 من قادة المليشيات المسلحة التابعين لها، وعدد من قيادات تنظيم الإخوان وبعض المسؤولين الأمنيين والعسكريين في حكومة الوفاق، لعقد اجتماع أمني مُوسّع في إسطنبول؛ لبحث التطورات الأخيرة.
وهذا الاجتماع، كما ذهبت أغلب التحليلات، استهدف تحقيق أحد أمرين أو كلاهما: الأول، هو محاولة توحيد صفوف هذه المليشيات والتوقف عن التنازع والمنافسة فيما بينها على النحو الذي برز على السطح في الآونة الأخيرة. والثاني، هو تحريض هذه المليشيات على عرقلة أي جهود ترمي لتحقيق التسوية السياسية، دون التنسيق المسبق مع تركيا، أو لا تأخذ مصالح تركيا بعين الاعتبار.
وذهبت بعض الآراء إلى الحديث عن احتمال قيام تركيا بتوجيه قادة هذه المليشيات بالإعداد لشن عمليات عسكرية جديدة لإفشال جهود تحقيق السلام الحالية، وفي الوقت نفسه التخلص من هذه المليشيات عبر إحراقها في معارك عبثية، ولا سيما في ظل الحديث عن ضرورة إخراج هذه المليشيات من ليبيا ضمن أي اتفاق سياسي، وعدم رغبة تركيا في استقبالهم من جديد؛ لأنهم أصبحوا يشكلون عبئاً عليها، ليس أمنياً فقط، بل واقتصادياً أيضاً، وهو ما برز في المظاهرات التي نظمتها هذه المليشيات في طرابلس والغرب الليبي؛ للمطالبة بدفع رواتبهم ومستحقاتهم المالية التي أصبحت أنقرة عاجزة عن توفيرها لهم.
الدور السلبي الذي تقوم به تركيا في محاولة إجهاض المصالحة الليبية لم يقتصر على ذلك، حيث أفادت تقارير أوروبية، مؤخراً، باستمرار أنقرة في إرسال الأسلحة إلى قاعدة الوطية الجوية بغرب طرابلس، التي تتخذها مقرا لقواتها في ليبيا، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي، تستخدم حصرا ضمن منظومة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تركيا أوقفت عملية إرجاع المرتزقة وأنها لا تزال تحتفظ بسبعة آلاف من المرتزقة السوريين هناك.
وتتعارض هذه التحركات مع تفاهمات واتفاقيات اللجنة العسكرية 5+5 التي تنص أهم بنودها على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، كما تقوّض المجهودات الأممية والدولية في التوصل إلى حل سياسي سلمي وشامل للأزمة الليبية، كما تؤكد استمرار الدور السلبي الذي تلعبه أنقرة التي تخشى من أي مصالحة ليبية – ليبية تفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تخضع للنفوذ التركي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة