وصول "الشعوب الديمقراطي" إلى الحكم في تركيا، أمر صعب لكنه في الوقت عينه لا يبدو مستحيلاً
عقد حزب "الشعوب الديمقراطي" التركي المؤيد للأكراد مؤتمره الاعتيادي يوم الثالث والعشرين من فبراير/شباط الجاري في العاصمة التركية أنقرة، وسط إجراءاتٍ أمنية مشددة، وذلك في تحدٍّ واضح وصريح للضغوطات التي يتعرض لها الحزب من قبل السلطات التركية منذ دخوله إلى البرلمان لأول مرة في عام 2015 كحزبٍ سياسي يمثل الأتراك مع مختلف أقليات البلاد كالأكراد والأرمن والسريان والعرب وغيرهم.
ما ميّز هذا المؤتمر الذي يعقده "الشعوب الديمقراطي" مرة واحدة كل عامين، الحضور الدولي الكثيف هذه المرة، فقد شاركت فيه وفود من دولٍ عربية وأوروبية وآسيوية وصل عددها إلى أكثر من 20 دولة، الأمر الذي يدل على انفتاح هذا الحزب على دول الجوار التركي كالعراق وإيران وأرمينيا، وكذلك على العالمين العربي والأوروبي.
وصول "الشعوب الديمقراطي" إلى الحكم في تركيا، أمر صعب، لكنه في الوقت عينه لا يبدو مستحيلاً، وعلى أقل تقدير سيسهم هذا الحزب من خلال تحالفه مع حزبٍ آخر في إزاحة حزب أردوغان من السلطة
ويُضاف لانفتاح الحزب، الرسائل التي وردت من خلف القضبان، فرئيسه المشترك الأسبق صلاح الدين دميرتاش ورئيسته المشتركة السابقة فيغان يوكسك داغ والمعتقلان منذ أكثر من ثلاث سنوات، أرسلا رسالة لرفاقهما في المؤتمر حثّا فيها على "ضرورة المشاركة بقوّة"، وهذه إشارة أخرى إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد فيها حزب "الشعوب الديمقراطي" أنه ماضٍ في مشروعه مهما كانت العوائق كبيرة وكثيرة.
ومع إصرار الحزب المؤيد للأكراد على مواصلة عمله بقوّة تمّ انتخاب رئيس مشترك جديد للحزب خلفاً للرئيس المشترك السابق سيزاي تميلي، وهذا الانتخاب حمل دلالات كبيرة، خصوصا أن الرئيس المشترك الجديد، هو متهات سانجار، الأستاذ في القانون العام والدستوري الذي ينحدر من أصولٍ عربية، ما يعني أن الحزب يستمر في تعدديته، فهو لا يمثل الأكراد وحدهم، بل كذلك العرب أيضاً، لا سيما أن الرئيس السابق كان ينحدر من أصولٍ تركية.
وإلى جانب هذا كلّه، حمل شعار المؤتمر وهو "نحن أصحاب الوطن ومن سنقوده" تحديا آخر لأردوغان، بالإضافة إلى أن الرئيسة المشتركة للحزب بروين بولدان قالت في كلمتها خلال افتتاح المؤتمر: "سنحكم تركيا. قادمين لحكمها"، وهذا يدل على وجود تغيير كبير في استراتيجية الحزب، فهو خلال السنوات الماضية كان يهدف فقط لكسر هيمنة حزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده أردوغان، لكن اليوم يبدو واضحاً أنه يسعى للوصول إلى السلطة.
هذه المحاولة بالوصول إلى السلطة، تُعيد إلى الأذهان مساعي حزب "الشعوب الديمقراطي" قبل سنوات بالوصول إلى البرلمان، فقد نجح في ذلك للمرة الأولى في عام 2015، وأرغم تركيا حينها على تأسيس حكومة مؤقتة شهدتها البلاد لأول مرة شارك فيها وزيران من هذا الحزب المؤيد للأكراد، قبل أن يعيد أردوغان الانتخابات البرلمانية مرة أخرى ويستولي على عدد من مقاعده ويتحالف مع حزب "الحركة القومية".
وباعتقادي أن أول مؤشرات محاولات "الشعوب الديمقراطي" في الوصول إلى الحكم في تركيا ظهر في الرسالة التي وردت خلال انعقاد المؤتمر للرئيسين المشتركين من علي باباجان، نائب رئيس مجلس وزراء تركيا ووزير الخارجية السابق والمنشق منذ أشهر عن حزب أردوغان.
فقد اعتذر باباجان في رسالته تلك على عدم تمكنه من حضور المؤتمر، لكنه مع ذلك أكد فيها أن ما سيصدر عن هذا المؤتمر "سيكون تأثيره كبيراً على مستقبل تركيا"، الأمر الّذي قد يشير إلى تحالف حزبي مقبل بين حزب "الشعوب الديمقراطي" والحزب الذي سيعلن باباجان عن تشكيله في العاشر من مارس/آذار المقبل، خصوصا أن قادة "الشعوب الديمقراطي" أشاروا في كلماتهم إلى أنهم سيتحالفون مع قوى ديمقراطية أخرى في تركيا.
لذلك الأيام المقبلة ستكون مليئة بالمفاجآت وإن كان وصول "الشعوب الديمقراطي" إلى الحكم في تركيا، أمراً صعباً، لكنه في الوقت عينه لا يبدو مستحيلاً، وعلى أقل تقدير سيساهم هذا الحزب من خلال تحالفه مع حزبٍ آخر بإزاحة حزب أردوغان من السلطة، لا سيما أنه يعاني من مشاكل كثيرة لا تُعد ولا تحصى، ناهيك بأنه المُتهم الوحيد بتفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد، الأمر الذي يزيد من فرص صعود "الشعوب الديمقراطي" أكثر فأكثر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة