هل تقوى تركيا على مغادرة "الأطلسي"؟
فتحت صفقة S400 باب التساؤل حول جدوى بقاء أنقرة عضوا في حلف "ناتو"، لا سيما وأن الصواريخ الروسية مصممة خصيصا لإسقاط طائرات الحلف.
تشكل التفاعلات الراهنة في العلاقة بين تركيا ودول حلف الناتو، وبخاصة الولايات المتحدة، ضغوطاً كبيرة على المصالح المباشرة لأنقرة، بفعل عدد من القضايا الشائكة منها، الفشل في تجاوز الخلافات التي تفجرت مع استلامها منظومة الدفاع الصاروخية S400 من موسكو في يوليو الماضي، إضافة إلى رفض الحلف عمليات التنقيب التركي في شرق المتوسط.
وفتحت صفقة S400 الباب واسعاً للتساؤل حول جدوى بقاء أنقرة عضوا في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، لا سيما وأن الصواريخ الروسية مصممة خصيصا لإسقاط طائرات الحلف.
وقد ظهر هذا القلق بين دول الحلف، وبخاصة الولايات المتحدة، ودول أوروبا، فالأولى أنهت مشاركة تركيا في برنامج طائرات F35 التي تمتلك تكنولوجيا متطورة، والمقرر لها أن تلعب دورا رئيسيا في عمليات الناتو لعقود مقبلة، كما ترى بقية الدول الغربية في موسكو أبرز تهديد للأمن الأوروبي.
ولم يقتصر رد فعل الإدارة الأمريكية على ما سبق، ففي 23 أغسطس الجاري، أعلنت الخارجية عن أن عرض واشنطن بيع نظام صواريخ باتريوت الدفاعي الذي تنتجه شركة ريثيون لتركيا أزيل من على الطاولة، بعد قرار أنقره شراء منظومة S400 الروسية.
في هذا السياق، تفاقمت الانقسامات بين تركيا والناتو، وهددت أنقرة بالخروج من حلف شمال الأطلسي الناتو وإغلاق قاعدة “إنجيرليك” الجوية بمدينة أضنة جنوب تركيا، في محاولة من الرئيس التركي لتقليل الضغوط ووقف العقوبات الأمريكية المتوقعة على أنقرة بفعل حصولها على صواريخ S400.
صحيح أن تركيا تُمثّل إضافة مهمة لحلف شمال الأطلسي، خاصة في الشرق الأوسط، غير أن هذا لا يعني أن "الناتو" لا يمكنه تحقيق ما يريده في الشرق الأوسط من دون تعاون تركيا.
قضايا شائكة
برغم أهمية موقع تركيا داخل حلف الناتو، إلا أن العلاقات بينها وبين دول حلف الناتو، وفى الصدارة منها واشنطن، والدول الأوروبية أصبحت مؤخرًا ضعيفة للغاية بفعل عدد من القضايا الشائكة يمكن بيانها على النحو الآتي:
الانعطافة شرقاً:
أثار التحالف التركي الروسي قلق دول الحلف، وتصاعد منحنى التوتر مع توجه أنقرة لإتمام صفقة الدفاع الصاروخية S400 الروسية على الرغم من اعتراضات حلف شمال الأطلسي.
واعتبر الناتو أن شراء هذه الصواريخ سيحرم أنقرة من إمكانية الاندماج في منظومة الحلف الموحدة للدفاع الجوي.
بينما تتهم تركيا الحلف بـ"المماطلة"، والتهرب من بيعها منظومة الباتريوت التابعة للحلف، وهو ما دفعها اضطراريا للتوجه نحو روسيا لتعزيز منظومتها الدفاعية.
تعارض المواقف في سوريا:
تباينت رؤية دول حلف الناتو مع الرؤية التركية بشأن إدارة تفاعلات الأزمة السورية، وكان بارزاً هنا، رفض الحلف تعزيز دفاعات جوية إضافية على الأراضي التركية لمواجهات التهديدات القادمة من سوريا.
كما تباينت تصورات أنقرة، والحلف بشأن تعريف مفهوم "الإرهاب" والمنظمات الإرهابية، فبينما لا يرى "الناتو" حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وأذرعه العسكرية -وحدات حماية الشعب- إرهابية، تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا إرهابياً.
ويقف الناتو شوكة في خاصرة التوجهات التركية نحو إقرار تصنيف دولي لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية على قائمة المنظمات الإرهابية.
الممارسات السلطوية:
وجه حلف الناتو انتقادات للتطورات التي شهدتها تركيا في الفترة الماضية على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذكر تقرير أعدته الجمعية البرلمانية لحلف الناتو في العام 2018، أن تركيا هي الدولة الوحيدة ضمن دول الحلف المصنفة كبلد "غير حر".
كما وبخ الحلف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خلفية الإجراءات الاستثنائية عشية الانقلاب الفاشل في صيف 2016، وكذلك إصراره على الإمساك بمفاصل الدولة وحده من خلال تحويل البلاد لجهة النظام الرئاسي بموجب التعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد في أبريل 2017، وإقصاء معارضيه وتشويه خصومه.
غاز شرق المتوسط:
أضفى ملف الغاز في شرق المتوسط مزيداً من التعقيد على علاقات تركيا بحلف الناتو الذي يعارض إصرار تركيا على مواصلة عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة شواطئها، أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجزيرة قبرص من دون تقنين حدودها البحرية وترسيم مناطقها الاقتصادية.
وتوترت العلاقة مع تلويح تركيا برد عسكري ضد الدول التي تمنعها من مواصلة تلك الأنشطة "غير القانونية" داخل مناطق تعتبرها أنقرة ضمن حزامها البحري.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الناتو إلى تكثيف الجهود في احتواء تركيا لمنع عسكرة منطقة شرق المتوسط، يتهم أردوغان الناتو بأنه يضرّ بالمصالح الإقليمية التركية، بل ويقاوم جهود الناتو لحماية أطماع تركيا، الأمر الذي ينذر بتغير محتمل في مسارات العلاقة بين الطرفين.
الأزمة الإيرانية:
ثمة تعارض لا تخطئه عين بين تركيا وحلف الناتو بشأن التعامل مع إيران، فبينما يتبنى الناتو إستراتيجية حازمة تجاه طهران، ويدعو إلى التنسيق مع الحلفاء في الأطلسي، وخارجه لمواجهة أنشطة حزب الله وإيران، في المقابل ثمة علاقة إستراتيجية بين طهران وأنقرة، كشف عنها رفض الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران، إضافة إلى توثيق الشراكة التجارية جنباً إلى جنب تعاون البلدين في إطار محور آستانة لتسوية الأزمة السورية.
والأرجح أن هذه التناقضات تخلق وربما بطريقة مباشرة، عقبة جديدة في التفاهم بين الناتو، وأنقرة، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على طبيعة العلاقات التركية- الأطلسية.
سيناريوهات المستقبل
سئمت تركيا مواقف الحلف تجاه مصالحها، وظهر ذلك مع انتقاد أنقرة غياب دعم "الناتو" لها في عملية "عفرين" في يناير 2018 داخل الأراضي السورية، وتشكيك بعض دول الحلف في إمكانية استمرار تركيا في عضوية الأطلسي مستقبلاً، خصوصاً في ظل ارتفاع التوتر مع دوله، وآخرها اليونان والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا.
غير أن تركيا لا يمكنها الاستغناء عن "الناتو"، ودلل على ذلك تصريحات وزير الخارجية التركي في مارس 2018 عندما قال، " لا يمكن لأحد إخراج تركيا من الناتو" وأضاف "نحن من الحلفاء الرئيسيين في الناتو، والبقاء فيه خيارنا الاستراتيجي".
كما أن تركيا تظل بحاجة ماسة إلى دعم وتطوير علاقتها الأطلسية، سيما في ظل ضعف مناعتها الإقليمية والدولية، وتوتر علاقاتها مع الدائرة الخليجية، ناهيك عن شكوك تحت السطح بشأن العلاقة مع موسكو وطهران، فكلاهما من وجهة نظر تركية حلفاء لحظيين لايمكنهما تعويض العلاقة الاستراتيجية مع الحلف.
ختامًا، يُتوقع حدوث مزيد من الصدام بين تركيا وحلف الناتو بفعل تكاثر القضايا الشائكة، وفى الصدارة منها تصاعد التوتر مع واشنطن بسبب انخراط تركيا في علاقات عسكرية مع موسكو، إلا أن هذا لن يؤدي إلى قيام تركيا بالانسحاب نهائيًّا من الحلف الذي له دور مهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية، ويبقى تهديد الرئيس أردوغان بالانسحاب من الحلف مناورة لاستيعاب الضغوط الأميركية، ومحاولة لتعويض التآكل الحادث في رصيده التقليدي في الداخل.