زلزال تركيا وسوريا.. السياسة تتنحى جانبا وترضخ للإنسانية
هزة أرضية مرعبة صدعت الخلافات، ثم آتت الإنسانية على ما تبقى من مشاحنات وخلافات في وجهات النظر، لتنتصر العلاقات بين الدول على التوترات.
إذ استيقظت سوريا وتركيا، الجارتان اللتان ضربتهما سنوات من القطيعة، على كارثة طبيعية مشتركة، أسقطت آلاف القتلى والجرحى، وكأنها رسالة صعبة تعكس "وحدة المصير".
وضرب زلزال بقوة 7.8 درجة، فجر الإثنين، منطقة لواء إسكندرون تلاه زلزال آخر بقوة 6.4 درجة في منطقة طوروس على الحدود السورية التركية، وعدد من الهزات الارتدادية الأضعف شدة، والتي تأثرت بها محافظات سورية عدة، وأدت إلى تضرر عدد من الأبنية إثر ذلك.
هذه الهزات المرعبة أوقعت 1651 قتيلا في تركيا، وفق حصيلة رسمية، وألف قتيل في سوريا، فضلا عن آلاف المصابين في البلدين، وخسائر مادية كبيرة للغاية.
وحدة المصير وقطار التطبيع
هذه الكارثة التي وحدت مصير الجارتين تركيا وسوريا، جاءت لتذكرهما بارتباط مصيرهما، وقد تدفع قطار تطبيع العلاقات بينهما الذي يسير ببطء وفق آلية ثلاثية، تشمل أيضا روسيا كوسيط، وفق مراقبين.
ومؤخرا، قال مسؤولون أتراك، في تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إنه بعد الوساطة الروسية، فإن سوريا وتركيا تتجهان ببطء نحو تطبيع كامل للعلاقات.
واستدلت الصحيفة البريطانية على رؤيتها، بلقاء جمع بين وزيري دفاع ورئيسي مخابرات سوريا وتركيا في موسكو في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مشيرة إلى أن البلدين سيحصدان العديد من المكاسب من وراء تطبيع العلاقات.
ومن وحدة مصير المتضررين من الزلزال العنيف إلى دول أخرى، لطالما ارتبطت بخلافات مع أي من المتضررين، لكنها قررت إسقاط التوترات مؤقتا، والمسارعة إلى مد يد العون لإنقاذ الأبرياء.
اليونان تمد يد العون
تحدث رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس هاتفياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الإثنين، لتقديم "مساعدة فورية" لتركيا بعد الزلزال العنيف الذي دمر جنوب البلاد وجزءا من سوريا.
وجدد ميتسوتاكيس "رغبة اليونان في مساعدة تركيا على الفور"، وقدم "خالص تعازيه"، حسب بيان مقتضب أصدره مكتبه، فيما تشهد العلاقات بين هذين البلدين الجارين والخصمين التاريخيين توترات شديدة اتسمت خلال الأشهر الماضية بتصريحات نارية بين الزعيمين.
وسبق أن أكد رئيس الوزراء اليوناني "وضع كل قوات بلاده في تصرف تركيا"، معلنا إرسال طائرة للقوات الجوية اليونانية مع عشرين عنصر إطفاء ومساعدة إنسانية.
وأضاف أن ما حصل "كارثي"، موضحا أن اليونان تستطيع أن تقدم إلى تركيا "معدات مختلفة ولوازم طبية وبطانيات وخيما" بحسب الحاجات.
ويعود آخر لقاء بين أردوغان وميتسوتاكيس إلى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في براغ خلال إطلاق المجموعة السياسية الأوروبية، لكنه لم يمر بسلام، إذ انسحب رئيس وزراء اليونان من عشاء لرؤساء الدول والحكومات حين هاجم أردوغان اليونان، محملا إياها مسؤولية انعدام الاستقرار في البحر المتوسط، وفق "فرانس برس".
ورغم هذه الخلافات، من المقرر أن تغادر طائرة سي-130 تابعة للجيش اليوناني، الإثنين، رئيس الهيئة اليونانية لمكافحة الزلازل للمشاركة في "إدارة الجهود بهدف مواجهة هذه الكارثة"، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الحكومة اليونانية يانيس أويكونومو.
مصر تتضامن
مصر التي خيمت التوترات على علاقاتها مع تركيا خلال الـ٩ سنوات الأخيرة، كانت ضمن الدول التي سارعت لتقديم الدعم للسلطات التركية بعد كارثة الزلزال.
إذ تقدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بخالص التعازي لشعبي سوريا وتركيا، ولأسر ضحايا الزلزال المُدمر الذي ضرب منطقة شرق المتوسط، مع تمنياته بسرعة شفاء المصابين.
وأكد الرئيس السيسي تضامن مصر الكامل مع الشعبين السوري والتركي، واستعداد مصر لتقديم المساعدة لمواجهة آثار ذلك الزلزال.
كما أجرى سامح شكري، وزير الخارجية المصري، اتصالاً مع وزير خارجية تركيا مولود جاويش أغلو، لتقديم العزاء لحكومة وشعب تركيا فى ضحايا الزلزال المروع.
وذكرت الخارجية المصرية، في بيان، أن وزير الخارجية أخطر نظيره التركي أن مصر قررت توجيه مساعدات إغاثية عاجلة تضامناً مع الدولة التركية والشعب التركي الشقيق في مواجهة تداعيات تلك الكارثة، متمنياً نجاح جهود الإنقاذ الجارية.
رسالة من تل أبيب
ومن تركيا إلى تل أبيب التي ارتبطت بعلاقات متوترة لعقود مع دمشق، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "لأنه تم تلقي طلب للقيام بذلك للكثيرين ممن أصيبوا في الزلزال في سوريا، فقد أصدرت تعليماتي بأن يتم ذلك"، في إشارة لإرسال مساعدات لسوريا.
قبل أن يعود نتنياهو ويقول في كلمة إنه وافق على إرسال مساعدات إلى سوريا، لإغاثة المتضررين من الزلزال.
ولم يشر نتنياهو للجهات التي طلبت مساعدات من سوريا.
الولايات المتحدة التي تملك علاقات متدهورة وقطيعة دبلوماسية مع دمشق منذ سنوات، أعلنت أيضا إرسال فريقي بحث وإنقاذ أمريكيين بقوة 79 فردا لكل منهما إلى تركيا وسوريا بعد الزلزال، وفق البيت الأبيض.
وفي وقت لاحق، قالت الخارجية الأمريكية، إن المعابر الإنسانية إلى سوريا يجب أن تظل مفتوحة أمام حركة المنظمات الأهلية عبر الحدود.
وتابعت "ملتزمون ببذل كل ما في وسعنا على جانبي الحدود التركية السورية".