حجم الخسائر العسكرية التركية في سوريا بجانب التغيير الحاصل في اللغة الروسية تجاه أردوغان يعني انهيار حالة التفاهمات بين الروس والأتراك
الحالة التي تعيشها تركيا في سوريا مع تصاعد أعداد القتلى من الجيش التركي تعكس حالة من الخسارة المتفاقمة للأتراك في الأرض السورية، فما يقوم به الجيش السوري من استهداف الجيش التركي صفعة مؤلمة للنظام التركي، الذي كان يعتقد أن وجوده في الأرض السورية سوف يمر مرور الكرام.
كما أن حجم الخسائر العسكرية التركية على الأرض السورية، بجانب التغيير الحاصل في اللغة الروسية والتي أبلغت الأتراك بأنها غير قادرة على ضمان سلامة الطائرات التركية، وذلك بعد إعلان دمشق إغلاق المجال الجوي للمنطقة الشمالية الغربية، يحمل معها متغيرات سياسية، فهذا يعني انهيار حالة التفاهمات ما بين الروس والأتراك، وهذا يشكل صفعة جديدة لأردوغان، فهو يؤكد أن الدول التي كانت بالأمس على وفاق سياسي مع النظام التركي لم تعد ترغب بوجوده عسكريا على الأرض السورية.
استمرارية الخسائر التركية في الأرض السورية أو الليبية على الصعيد العسكري سوف يقود إلى إعادة حالة التوتر والتأزم التي كانت تحكم علاقة أردوغان بالمؤسسة العسكرية منذ أن وصل إلى السلطة في عام 2002
ليس من المستغرب حالة الانقلاب الروسي على النظام التركي، وهذا التغيير الحاصل في اللغة الروسية تجاه الأتراك لسبب بسيط، وهو أن العلية الروسية منذ الاعتذار التركي عن إسقاط الطائرة الروسية أصبحت تجيد التعامل مع النظام التركي، وتدرك جيداً أنه مجرد ظاهرة صوتية، وبالتالي فإن الانسحاب الأمريكي من الأرض السورية حمل معه متغيرات سياسية جديدة، وأعطى الروس الفرصة للانقلاب على التفاهمات السابقة مع الاتراك؟
كما نجد أن التفاهمات بين روسيا وتركيا كانت من وجهة نظر روسية هي محاولة لتوظيف الأتراك أداة لقلب موازين القوة لصالحهم في المعادلة السورية، وبالتالي نجد أن الخروج الأمريكي من سوريا أنهى حالة الحاجة الروسية للتفاهم مع الأتراك وحتى أيضا الإيرانيين.
وهذا ما يفسر حالة الصدام الروسي-الإيراني، والتي وصلت لحد الاتهام الإيراني بأن القصف الإسرائيلي الذي استهدف قبل فترة المقرات الإيرانية في سوريا ما كان ليتم إلا بوجود ترتيب من روسيا، وبالتالي نحن أمام بوادر لانهيار مثلث التفاهمات والتنسيق (التركي والإيراني والروسي) في الملف السوري.
تعيش تركيا حالة من الانهيار على الأرض السورية، ربما ما يفسر هذه الحالة هو تصاعد سقوط القتلى من الجيش التركي في محافظة إدلب السورية، وكانت آخر الإحصائيات تشير إلى سقوط ما يقارب الـ34 قتيلاً.
ونجد أن النظام التركي لجأ لأول مرة إلى استخدام الطيران الحربي، في خطوة تعكس حالة الشلل التي تعيشها القوات التركية على الأرض السورية، وأن كفة الميزان على الأرض أصبحت تميل لصالح الدولة السورية، وبالتالي يحاول الأتراك باللجوء إلى الطيران الحربي وتكثيف القصف الجوي، إلى محاولة تغيير ميزان القوة على الأرض لصالحهم والخروج من حالة الإنهاك النفسي والشلل العسكري على الأرض.
مهما كان حجم الرد التركي على مقتل جنودها في الأرض السورية فإن ذلك لا يعني أن تركيا قد تسعى لقلب الميزان لصالحها؛ لأن ما يحدث في الأرض السورية لن يكون تأثيره فقط محدوداً على الخارطة الجغرافية السورية، بل سيتخطى ذلك إلى الداخل التركي.
وبالتالي نجد أن خسائر أردوغان لا تقارن بخسائر الجيش السوري، لأن خسارة الأتراك العسكرية في سوريا وسقوط أعداد من القتلى في الجيش التركي ستقود إلى المزيد من تعرية صورة أردوغان في الداخل التركي، في وقت يقف فيه عاجزاً عن الخروج ببلاده من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها وحالة العزلة السياسية المتصاعدة التي تهدد تركيا.
بالنظر إلى الخسائر التركية على الصعيد العسكري مع تصاعد أعداد القتلى من الجيش التركي، سواء في ليبيا أو سوريا، نجد أن هذه الخسائر لن تكون محدودة التأثير على أرض الصراع سواء في الأرض الليبية أو السورية، بل ستكون فاتورتها باهظة على الداخل التركي، فهي سوف تقود إلى ما يمكن تسميته بإعادة حالة المد والجزر ما بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية التي تشيع قتلاها بسبب طموحات أردوغان الخارجية.
هذا الأمر يعني أن استمرارية الخسائر التركية في الأرض السورية أو الليبية على الصعيد العسكري سوف تقود إلى إعادة حالة التوتر والتأزم التي كانت تحكم علاقة أردوغان بالمؤسسة العسكرية منذ أن وصل إلى السلطة في عام 2002، والتي كان شغله الشاغل آنذاك هو تحجيمها، وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية التركية لن تقف مكتوفة الأيدي في ظل حجم الخسائر التي تطالها بسبب طموحات أردوغان وسياساته الفوضوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة