كلا الطرفين -داعش والنظام الحاكم في تركيا- يسعيان للاعتماد على بعضهم بعضا
لقد ظهر زعيم تنظيم داعش الإرهابي "أبوبكر البغدادي" في مقطع فيديو لأول مرة منذ يوليو/تموز 2014، في محاولة لإثبات الوجود، ومن أجل أن يبعث الحياة لأتباعه أو تنظيمه الذي تلاشى بعد الهزائم القوية التي تعرض لها في الآونة الأخيرة، خاصة في بلدة الباغوز السورية. ومن هنا فإن البغدادي حاول التغطية على حجم هذه الخسائر بتوظيف الأحداث الإرهابية الأخيرة في العالم خاصة في سريلانكا، والثناء عليها في محاولة لصناعة انتصار وهمي يحاول التنظيم التمسك به لينقذ نفسه ويخرج بهيئة المنتصر.
إن مختصر الرسالة الرئيسية لخروج البغدادي وهو يحمل في يده ملف ولاية تركيا تستهدف الدول الأوروبية، ورسالة تركية لحلف الناتو يراد التأكيد من خلالها بأن تركيا تحت مرمى تنظيم داعش، وأن هذا التنظيم الإرهابي لن يمس أمن تركيا لوحدها بل سيطال أمن واستقرار أوروبا
لكن الرسالة الرئيسية هي ليست رسالة البغدادي لأتباعه، بل الرسالة الأكبر هي لمن يقف خلف تنظيم داعش الإرهابي الذي أراد أن يبعث بها إلى العالم بأكمله وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي صرحت قبل فترة بالإعلان عن نهاية ما يسمى "تنظيم داعش وخلافته المزعومة"، ولذلك فهذا الظهور للبغدادي في مكان تمت تغطية معالمه، وفي وقت تشتد فيه الضغوط على إيران وتركيا يؤدي إلى استنتاج واحد وهو أن هناك دولا تقف وراء خروج أبوبكر البغدادي من أجل إرسال رسائل تتخطى مستوى أتباع تنظيم داعش.
من الطبيعي أن يخرج البغدادي حاملاً معه ملف ليبيا أو سوريا مثلا أو غيرها؛ لأن هذه الدول هي إما مستهدفة من تنظيم داعش أو هي دول يحاول التنظيم أن ينشط فيها، أو يحاول استثمار الأزمات فيها وتوظيفها لتثبيت وجوده، لكن أن يخرج البغدادي حاملاً معه الملف التركي فهذا هو ما يطرح الكثير من التساؤلات، بالطبع هناك وجود للتنظيم في الأراضي التركية، فقد أسهمت تركيا في تعزيز وتقوية التنظيم الإرهابي، وفقاً لمجلة فورين بوليسي التي أكدت أن المقاتلين الأجانب من جميع أنحاء العالم والذين شكلوا العمود الفقري والقوة الضاربة لتنظيم داعش سافروا أولا إلى تركيا، وأنه في عام 2013 اجتاز نحو 30 ألف مقاتل الأراضي التركية، حيث أنشأت تركيا ما يسمى بالطريق السريع للجهاد، وسهلت نقل العتاد والمعدات لتنظيم داعش، كما أسهمت تركيا في دعم التنظيم مادياً عبر شراء النفط المهرب منه، وكذلك معالجة جرحى التنظيم في المستشفيات التركية، ولذلك خروج البغدادي بالملف التركي يدل على وجود التنظيم في الأراضي التركية، هذا إن لم يكن البغدادي نفسه موجودا فيها. وهذا ما يرجحه "بن لادن الإيطالي" أحد عناصر داعش من أصول مغربية في لقاء مع "قناة العربية" الذي قال "إن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي لم يعد يظهر للعلن منذ بدء قصف التحالف"، مرجحاً أن البغدادي يوجد حالياً إما في تركيا أو في العراق".
في تقديري.. فإن هذا الظهور والحديث عن تركيا لا يأتي في سياق "الرسالة الاستباقية" من قبل التنظيم لتركيا، ويعد أمراً مستبعداً؛ لأن كلا الطرفين -داعش والنظام الحاكم في تركيا- يسعيان للاعتماد على بعضهم بعضا، فمن جهة تسهل أنقرة من عملية التنقل والعبور ونقل العتاد والمعدات للتنظيم وتشكل بوابة العبور لعناصر التنظيم إلى سوريا، ومن جهة أخرى يوفر التنظيم لأنقرة الغطاء للأطماع التوسعية للتغلغل في سوريا والعراق وضرب الأكراد تحت مسمى محاربة تنظيم داعش.
إن "ملف ولاية تركيا في يد البغدادي" ما هي إلا محاولة لدغدغة مخاوف الأوروبيين، في الوقت الذي يواجه فيه نظام أردوغان حالة من عدم الاستقرار وتراجع الشعبية في الداخل التركي، ولذلك يسعى للاستثمار بورقة داعش وتوظيفها لتشتيت الانتباه ولفت الأنظار بعيداً عن الداخل التركي، ومن خلال هذه الورقة تعيد تركيا التذكير فيما تردده دائماً بأنها السد المنيع لمنع تدفق الإرهاب نحو الدول الأوروبية، ولتخفف من الأزمات الاقتصادية والضغوط السياسية التي تعيشها في الداخل، وآخرها ملف التوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو، خاصة في ظل المساعي التركية للحصول على صواريخ "إس-400" الروسية.
ولذلك فإن مختصر الرسالة الرئيسية لخروج البغدادي وهو يحمل في يده ملف ولاية تركيا تستهدف الدول الأوروبية، ورسالة تركية لحلف الناتو يراد التأكيد من خلالها بأن تركيا تحت مرمى تنظيم داعش، وأن هذا التنظيم الإرهابي لن يمس أمن تركيا لوحدها بل سيطال أمن واستقرار أوروبا، والتي تعتبر أنقرة -أو هكذا تقدم نفسها- بأنها السد المنيع أمام تدفق عناصر تنظيم داعش الإرهابية نحو الدول الأوروبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة