أنقرة وواشنطن.. ماذا بعد وضع شركات تركية على لوائح الإرهاب؟
مساحات التوتر بين أنقرة وواشنطن مرشحة للتفاقم، خاصة مع غضب قطاعات داخل مؤسسات الإدارة الأمريكية من السلوك التركي بشأن دعم تنظيم "داعش".
تبدو القضايا الخلافية بين أنقرة وواشنطن مرشحة لمزيد من التوتر؛ إذ لم تعد تقتصر على رفض الأولى دعم تركيا لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ورفض الولايات المتحدة تسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير الانقلاب الفاشل في صيف 2016.
فقد دخلت العلاقة مناخ الشحن مع توجه وزارة الخزانة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلى وضع شركات وشخصيات تركية على قوائم الحظر بتهمة التورط في مساعدة تنظيم "داعش" الإرهابي.
تصاعد الاتهامات
وجّهت المؤسسات الأمريكية طوال الشهور الماضية العديد من الإشارات لأنقرة بأنها لا تدعم الترتيبات الأمنية التي تقوم بصياغتها في سوريا مع "داعش"، وتصاعدت الاتهامات لتركيا بدعم التنظيمات الإرهابية، وبخاصة "داعش"، وظهر ذلك من خلال:
إنعاش التنظيم: اعتبر مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية، وهو جهاز مستقل للاستقصاءات، في تقرير صدر 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن عملية "نبع السلام" التي أطلقتها تركيا يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، أسهمت في إنعاش تنظيم داعش ومضاعفة حالة الفوضى القائمة في السجون والمخيمات التي تتولى "قوات سوريا الديمقراطية" تأمينها، حيث تحتفظ بالآلاف من إرهابيي التنظيم وأفراد عائلاتهم.
وبحسب التقرير، فإن تنظيم "داعش" استغل التوغل التركي والخفض اللاحق للقوات الأمريكية لإعادة بناء قدراته وموارده داخل سوريا وتعزيز قدرته على التخطيط لهجمات في الخارج.
وأضاف التقرير أنه من المرجح أن يكون لدى تنظيم داعش "الوقت والحيّز لاستهداف الغرب وتقديم الدعم لفروعه وشبكاته العالمية الـ19"، مستندا إلى معلومات وفرتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
حظر شركات تركية: رغم استمرار حكومة العدالة والتنمية نفي أي دور لها في تقديم تسهيلات لتنظيم "داعش"، أثبتت الوقائع وجود شركات تحويل مالي تركية أو مقرها هناك كانت طرفا في عمليات تحويل أموال لذلك التنظيم الإرهابي.
ووفقا لبيان أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وفرت تركيا شبكة تمويل لأنشطة الجماعات المتشددة في سوريا، تحمل في طياتها موارد مالية ضخمة، آخرها مشاركة 6 شركات وأشخاص يتخذون من أنقرة مقرا أو يعملون بها، في توفير الدعم المالي، واللوجستي "الحاسم" لتنظيم "داعش" الإرهابي.
وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية شركة "سحلول للصرافة" وشركة "السلطان" لتحويل الأموال وشركة ISL"" للاستيراد والتصدير إضافة إلى شركة "نواصل" الواقعة في محافظة "إدلب" التي تقع ضمن سيطرة القوات التركية، وجميعها تتخذ من تركيا مقرا لها، على القائمة السوداء بسبب تقديم دعم مالي، ولوجستي لتنظيم "داعش". كما تم إدراج التركي إسماعيل بيالتون، وشقيقه أحمد على القائمة، بتهمة تقديم مساعدات مالية وتقنية، ولوجستية للتنظيم في سوريا.
والواقع أن استهداف وزارة الخزانة الأمريكية شركات وشخصيات تركية متهمة بتمويل "داعش" ليس جديدا أو هو الأول من نوعه؛ ففي أبريل/نيسان 2019 اتهم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية 6 أتراك وشركة صرافة "الراوي" بتشكيل شبكة مالية لتمويل تنظيم "داعش"، وأشرفت منذ عام 2017، على تحويلات الأموال من وإلى تركيا نيابة عن "داعش".
وحسب تقرير صادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"FDD" ؛ فمنذ بداية مايو/أيار عام 2018، أدارت شبكة الراوي تحويلات "داعش" من الفرع التركي لشركة الأرض الجديدة للصرافة، والتي أدرجتها وزارة الخزانة الأمريكية ضمن الأذرع المالية للتنظيم الإرهابي.
معبر للإرهابيين: لا تزال تركيا ممرا آمنا لعبور الإرهابيين القادمين من مختلف أنحاء العالم للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق، ولعبت دورا مهما في تسهيل دخول وإيواء قيادات وعناصر من "داعش" و"النصرة".
وفي هذا السياق، أكد تقرير الإرهاب 2018 الصادر عن الخارجية الأمريكية، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن تركيا لا تزال تعتبر دولة "ترانزيت" للإرهابيين الأجانب الراغبين في الانضمام إلى التنظيمات الراديكالية في سوريا والعراق.
خسائر محتملة
تراجع الصورة الذهنية: كشفت الإجراءات العقابية التي تتبنها المؤسسات الأمريكية ضد تركيا على خلفية تورطها في دعم تنظيم "داعش" عن تراجع صورة أنقرة في الوعي الجمعي الدولي، خاصة أن تفاعلات تركيا مع التنظيم لم تكن دائما إيجابية.
والأرجح أن ثمة شكوكا أمريكية بأن تركيا ربما تسمح لبعض خلايا "داعش" بالبقاء في حالة يمكن السيطرة عليها، خاصة أن خلايا التنظيم الضعيفة مفيدة في مواجهة عناصر "قسد" من جهة، ومن جهة أخرى إزعاج الفاعلين الدوليين والإقليميين المناوئين للتوجهات التركية في مناطق الصراعات.
تعظيم الخلافات: أدى تصاعد الاتهامات الأمريكية لأنقرة بدعم ورعاية تنظيم "داعش" إلى توسيع مساحة الخلاف بين البلدين، وكشفت عن ذلك مؤشرات عدة أولها اعتراف الكونجرس الأمريكي في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمجازر الإبادة التي تعرض لها الأرمن قبل 100 عام فضلا عن مطالبة إدارة ترامب بضرورة تبنى عقوبات رادعة ضد أنقرة بسبب انخراطها السلبي في أزمات الإقليم، وبخاصة الأزمة السورية.
وثانيهما فشل القمة الأمريكية التركية التي جمعت ترامب وأردوغان في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتي كان يعول عليها الثاني كثيرا في تقريب وجهات النظر المتباعدة حول عدد من الملفات الشائكة.
وراء ما سبق، فإن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب 2018، والصادر مؤخرا، لم يلبِّ طلبات أنقرة في التشهير بخصومها وإدانتهم، وظهر ذلك في استثناء عناصر "قسد" وجماعة "خدمة" اللتين تعتبرهما حكومة العدالة والتنمية تنظيمين إرهابيين.
كما أسهم سلوك المؤسسات الأمريكية بإدراج شركات تركية على لوائح الحظر في توجيه ضربات قوية لسلوك أنقرة بشأن علاقتها مع العناصر الراديكالية وتوظيف شبكة تحالفاتها القائمة في تحقيق مصالح آنية وضيقة.
توجه مغاير: ربما تتجه تركيا إلى رفع مستوى التنسيق والتعاون مع القوى المناوئة للولايات المتحدة، بتعزيز انعطافتها شرقا تجاه روسيا بالمضي قدما في إتمام صفقة منظومة الدفاع الصاروخية S400، ودعم بكين في حربها التجارية مع واشنطن، وهو ما سيمثل ضربة لاستراتيجية واشنطن الدفاعية، والتجارية التي تركز على مواجهة النفوذ المتصاعد لروسيا والصين.
في المقابل قد تستمر أنقرة في مواصلة دعم طهران في مواجهة العقوبات الأمريكية، وذلك بهدف الاستفادة من نفوذها الإقليمي كورقة ضغط في مواجهة التوجه الأمريكي ضدها.
خلاصة القول: إن مساحات التوتر بين أنقرة وواشنطن مرشحة للتفاقم، خاصة بعد أن سئمت قطاعات واسعة داخل مؤسسات الإدارة الأمريكية السلوك التركي بشأن دعم تنظيم "داعش".
لذا فإن قناعة واشنطن بأن ثمة علاقة بين أنقرة والتنظيم أصبحت تمثل المتغير الأساسي الذي سوف يؤثر على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تركيا التي أصبحت توفر بيئات حاضنة لنمو التنظيمات الإرهابية.