فاروشا.. "لؤلؤة قبرصية" حولتها مطامع تركيا لـ"مدينة أشباح"
فاروشا.. "لؤلؤة قبرص" أو "مدينة الأشباح" هي كلها أسماء تشير إلى أحدث حلقات المطامع التركية في قبرص.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يكف عن مساعيه لتقسيم جمهورية قبرص إلى دولتين، ليتسنى له الحصول على اعتراف دولي باحتلاله لشمال قبرص.
- واشنطن تدين إعلان أردوغان بشأن فاروشا: انتهاك للقوانين
- ضربة لتركيا.. أوروبا تحذر أردوغان بشأن فاروشا القبرصية
وجاءت خطوة أردوغان الأخيرة بإعادة فتح المدينة بالتزامن مع ذكرى مرور 47 عاما على الغزو التركي عام 1974 بعد انقلاب للقبارصة اليونانيين، دبره الجيش الذي كان يحكم اليونان آنذاك،
موقعها وتاريخها
وتعد مدينة فاروشا رمزا لتقسيم قبرص، وتقع في الجزء الشمالي الذي تسيطر عليه سلطة موالية لتركيا.
ويعود تاريخ التوتر في شمال قبرص إلى خمسينات القرن الماضي في الجزيرة التي كانت حينها مستعمرة بريطانية، وتبلور التوتر بين المجموعتين اليونانية والتركية في الجزيرة.
وكانت الأولى تريد إنشاء اتحاد مع اليونان "البلد الأم"، فيما تدعو الثانية إلى تقسيم الجزيرة وربط نصفها بتركيا والنصف الآخر باليونان.
ولم يضع استقلال الجزيرة المتوسطية في 1960 حداً للخلاف وأنشئت قوة سلام تابعة للأمم المتحدة تمركزت فيها في عام 1964 بعد اشتباكات بين المجموعتين.
وفي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1983، أعلن القبارصة الأتراك بقيادة زعيمهم رؤوف دنكطاش من جانب واحد إنشاء "جمهورية شمال قبرص التركية" التي اعترفت بها تركيا.
وبات يقسم الجزيرة "خط أخضر" بطول نحو 180 كيلومتراً، وهو منطقة عازلة تراقبها بعثة الأمم المتحدة.
ويمر هذا الخط بشكل خاص عبر نيقوسيا، آخر عاصمة مقسمة في العالم.
وفي صيف عام 1974، غزت القوات التركية شمال الجزيرة ثم ضمته، كرد فعل على انقلاب قومي كان يهدف إلى إعادة ربط البلاد باليونان.
وخلف الصراع المئات من القتلى وحوالي ألفي مفقود وتسبب بنزوح أعداد كبيرة.
وكانت تركيا غزت في 20 يوليو/تموز 1974، الثلث الشمالي من قبرص ردا على انقلاب نفذه جنرالات قبارصة يونانيون بهدف ضمها إلى اليونان.
وقسمت الجزيرة منذ ذلك الحين، بخط حدودي يفصل بين جمهورية قبرص (جنوب) التي تقطنها غالبية قبرصية يونانية، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي و"جمهورية شمال قبرص التركية" في الثلث الشمالي من الجزيرة يسكنها قبارصة أتراك، ولا تعترف بها سوى أنقرة.
وعندما فر القبارصة اليونانيون من منتجع فاروشا على الساحل الشرقي والذي كان يسمى بـ"لؤلؤة قبرص" لكونه أشهر منتجع سياحي في البلاد خلال الستينيات والسبعينيات، حاصرها الجيش التركي بالأسلاك الشائكة ومنع دخولها، وأطلق عليها منذ ذلك الحين "مدينة الأشباح".
وطالب قرار تبنته الأمم المتحدة عام 1984 بتسليم المدينة إلى الأمم المتحدة والسماح بعودة سكانها الأصليين، لكنه ظل حبرا على ورق.
لكن "لؤلؤة قبرص" المقفرة المحاذية للمنطقة العازلة، هي مصدر دائم للتوتر بين قسمي الجزيرة.
وفي أبريل/نيسان 2004، طُرحت خطة أعدتها الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة للاستفتاء. وافق الشمال على الخطة ورفضها القبارصة اليونانيون في الجنوب.
وفي مايو/أيار 2004، انضمت جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى مدى عقود، نظمت عدة جولات من المفاوضات الرامية إلى إعادة توحيد الجزيرة رعتها الأمم المتحدة.
وتعثرت المفاوضات الأخيرة في عام 2017 بشكل خاص بشأن مسألة انسحاب 30 ألف جندي تركي متمركزين في الجزيرة.
وتجدد التوتر بين القبارصة اليونانيين والأتراك حول حقول الغاز المحتمل اكتشافها قبالة الجزيرة.
وتعارض تركيا استكشاف واستغلال هذه الموارد دون ضمان حصة الجزء الشمالي من الجزيرة الذي يقع على بعد 60 كيلومترًا من ساحلها.
وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أرسلت أنقرة سفنا للتنقيب قبالة قبرص وأرسلت إلى شمال قبرص أول طائرة بدون طيار عسكرية.
وتمتد "جمهورية شمال قبرص التركية" على ثلث مساحة الجزيرة، أو 3355 كيلومتراً مربعاً ويزيد عدد سكانها عن 300 ألف نسمة بقليل، أو أقل بثلاث مرات من عدد سكان جمهورية قبرص في الجنوب.
ويعتبر المجتمع الدولي الكيان أرضا محتلة وقد فرضت عليه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات، ولا سيما على النقل الجوي.
أردوغان وفاروشا.. مطامع متجددة
وكان بداية الاستفزاز التركي لأردوغان وإظهاره لمطامعه في المدينة القبرصية بغرض فرض الأمر الواقع وترسيخ مبدأ الدولتين في قبرص، المرفوض دوليا، ظهر منذ إعلانه فتح السلطات القبرصية التركية منطقة صغيرة للزيارات اليومية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وقررت السلطات التي تحظى بدعم من أنقرة إعادة إحياء المدينة، وأصدرت مرسوما يقضي بفتح شارع ديموكراتياس العابر للمدينة والذي يؤدي إلى الشاطئ الذهبي الذي كان وراء شهرتها.
وقام أردوغان بخطوة "استفزازية" حينما زار شمال قبرض وكررها، أمس الثلاثاء، بإعلان "بدء عهد جديد" في فاروشا، "سيستفيد منه الجميع"، بحسب زعمه، كما أطلق اسما تركيا على المدينة هو "ماراس".
رفض شعبي لخطط أردوغان
وبحسب موقع "أحوال تركية" فإنه على عكس الدعاية التركية المطردة والدفع نحو ترسيخ تقسيم جزيرة قبرص على أساس حل الدولتين كأمر واقع يرسخ الاحتلال التركي للشطر الشمالي للجزيرة، أظهر العديد من سكان مدينة فاروشا من القبارصة اليونانيين والأتراك الذين فرقهم غزو تركيا للجزيرة عام 1974 رغبة قوية في إظهار وحدتهم بعيدا عن الخلافات السياسية وحسابات القيادة التركية وحليفها رئيس ما يسمى بجمهورية قبرص الشمالية المعترف بها فقط من قبل أنقرة.
وتؤكد كل الروايات وشهادات السكان القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، أن "الاحتلال التركي حول مدينتهم لمدينة أشباح وأفسد عليهم علاقاتهم الإنسانية وخلق واقعا جديدا حرمهم من منازلهم وسرق منهم ذكرياتهم".
ونظم نحو 50 قبرصيا يونانيا وتركيا في وقت سابق، سلسة بشرية تعالت فيها أصداء أصواتهم بين الأبنية المهجورة في فاروشا، مدينة الأشباح التي يسيطر عليها الجيش التركي منذ العام 1974.
وقال نيكوس كارولاس، وهو في الستينات من العمر "نحن أمام منازلنا التي نهبت قبل 47 عاما، منازلنا التي لا يمكننا الوصول إليها ونحن نقول: القبارصة الأتراك أصدقاؤنا، وسنقاتل من أجل بلد موحد".
ووفقا لمسح أجرته جامعة نيقوسيا شمل ألفا من سكان فاروشا السابقين، يرفض 73% منهم العودة إليها إذا وضعت المدينة بعد افتتاحها تحت الإدارة القبرصية التركية، بخلاف ما تدعو إليه الأمم المتحدة.
وأضاف أندرياس أناستاسيو: "جعلوا المدينة غير صالحة للسكن. من السهل عليهم أن يعرضوا علينا العودة وهم يعلمون أننا سنرفض. نحن نرفض العيش تحت حكم القانون التركي".
ومنذ فتح المدينة جزئيا قالت السلطات التابعة لتركيا في شمال قبرص، إن أكثر من 200 ألف شخص زاروها.
غضب دولي يفاقم أزمات تركيا
وفتحت مطامع أردوغان على تركيا جبهات رفض كبرى من واشنطن وبروكسل وباريس ولندن، وأثينا المجاورة، تنسف التقارب الأخير بين أنقرة وهذه العواصم، تجعل أردوغان حبيس عزلة دولية كاد يخرج منها في اجتماعات مؤخرا مع تلك الأطراف.
وأعلنت قبرص، الأربعاء، عن رفضها لخطوة أردوغان وتقديم شكوى لمجلس الأمن، حول خطط تركيا لإعادة فتح حي فاروشا.
كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن "باريس ستطرح قضية إعلان تركيا إعادة فتح حي فاروشا بقبرص، في الأمم المتحدة".
واعتبرت فرنسا أن "دعوة أردوغان لحل قائم على دولتين في قبرص، خلال زيارة للشطر الشمالي الذي تحتله تركيا من الجزيرة المتوسطية، استفزازا لها."
وقالت وزارة الخارجية إن "فرنسا تأسف بشدة لهذه الخطوة الأحادية التي لم يتم التنسيق لها وتمثل استفزازا".
واعتبرت أن الخطوة "تقوض استعادة الثقة الضرورية للاستئناف العاجل للمفاوضات من أجل حل عادل ودائم للقضية القبرصية".
ووجهت الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت مبكر من صباح الأربعاء، انتقادات لاذعة لمحاولات تركيا إعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن "الولايات المتحدة تدين إعلانا صدر ونص على نقل أجزاء من بلدة مهجورة في قبرص إلى سيطرة القبارصة الأتراك".
وأضاف، في بيان، إن "الولايات المتحدة تعتبر ما يقوم به القبارصة الأتراك في فاروشا بدعم من تركيا استفزازياً وغير مقبول، ولا يتّفق مع الالتزامات التي قطعوها في الماضي، للمشاركة بطريقة بنّاءة في محادثات سلام".
كما أعلن الاتحاد الأوروبي رفضه لمشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية.
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن الاتحاد يشعر بالقلق إزاء هذا الإعلان التركي بشأن مدينة فاروشا القبرصية التي سبق أن كانت نقطة جذب سياحية، معتبرا أنه "غير مقبول".
وأضاف بوريل، في بيان: "يشدد الاتحاد الأوروبي مجددا على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات، بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية".
وأعربت مصر، الأربعاء، عن قلقها إزاء أزمة فتح منطقة فاروشا بقبرص، مؤكدة ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن.
وقالت الخارجية المصرية، في بيان، وصل "العين الإخبارية" نسخة منه، إن "مصر تعرب عن عميق القلق إزاء ما تم إعلانه بشأن تغيير وضعية منطقة فاروشا بقبرص من خلال العمل على فتحها جزئياً، وذلك بما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وأضاف البيان: "تؤكد مصر مطالبتها بضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، وتجنُب أي أعمال أحادية قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وتُزيد من مقدار التوتر، مع ضرورة الالتزام الكامل بمسار التسوية الشاملة للقضية القبرصية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية".
لكن الوضع الحالي للجزيرة الواقعة بالبحر المتوسط، لا يروق للرئيس التركي، الذي دعا إلى التفاوض من أجل حل الأزمة القبرصية على أساس دولتين، زاعما أن أسس التفاوض السابقة لم تعد ذات جدوى.
وتدهورت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل حاد منذ عام 2016، لا سيما بسبب القمع القاسي الذي شنه أردوغان على أي شكل من أشكال الاحتجاج بعدما قالت أنقرة إنه "محاولة" انقلاب على النظام.
كما أدت مهام التنقيب عن الغاز التي نفذتها أنقرة في المياه اليونانية والقبرصية بشرق البحر المتوسط ووجود الجنود الأتراك في ليبيا والتقارب بين تركيا وروسيا، إلى تفاقم هذه التوترات.
aXA6IDMuMTQ5LjIxNC4yMjMg جزيرة ام اند امز