قمة أردوغان - بوتين - روحاني.. لا خروقات متوقعة بأزمة سوريا
ثمة أهداف عدة تسعى تركيا والدول المشاركة في قمة أنقرة إلى تحقيقها، يأتي في مقدمتها اختراق الأزمة السورية ومحاولة الضغط على واشنطن.
تشهد العاصمة التركية أنقرة، الإثنين، قمة ثلاثية لمناقشة التطورات الأخيرة في محافظة إدلب السورية، بعد أن حققت قوات الحكومة السورية مطلع أغسطس/آب الماضي مزيداً من التقدم شمال مدينة خان شيخون، لتقطع بذلك الطريق الدولي الذي يربط ريف إدلب الجنوبي بريف حماة الشمالي، حيث توجد أكبر نقاط المراقبة التركية في بلدة مورك.
وتأتي القمة مع اتهام موسكو أنقرة بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق سوتشي الموقع بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2018، ونص على وقف إطلاق النار وإقامة منطقة منزوعة السلاح ينسحب منها عناصر هيئة تحرير الشام.
ورغم أن هذا الاتفاق منع دمشق من شن هجمات على إدلب فإن فشل أنقرة في الضغط على العناصر الإرهابية للخروج من إدلب، دفع الحكومة السورية، بدعم روسي، لاستئناف القصف على إدلب من جديد.
كما تتزامن القمة مع تصاعد مخاوف تركية من تباطؤ أمريكي في تنفيذ اتفاق تأسيس منطقة آمنة شمال سوريا.
وتخشى أنقرة استنساخ آليات تطبيق اتفاق خريطة الطريق في منبج الذي تم التوصل إليه في واشنطن العام الماضي، رغم بدء إطلاق عمليات مشتركة، لإدارة المنطقة الآمنة في 24 أغسطس/آب الماضي، وبدء عمل مركز العمليات المشتركة إضافة إلى القيام بطلعات جوية مشتركة.
أهداف متعددة
ثمة أهداف عدة تسعى تركيا والدول المشاركة في قمة أنقرة إلى تحقيقها، يمكن بيانها على النحو الآتي:
اختراق الأزمة السورية:
تحرص معظم الأطراف المعنية بالتطورات التي يشهدها الصراع السوري والمنخرطة فيه بالأساس على أن تحقق القمة الثلاثية التي ستُعقد الإثنين في أنقرة، بمشاركة الرؤساء: التركي رجب طيب أردوغان والروسي فيلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، اختراقاً بارزاً في الجهود التي تبذل للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة.
والواقع أن جدول أعمال القمة لا يقتصر على بحث الوضع في إدلب، وإنما يمتد أيضاً إلى مناقشة دفع العملية السياسية، وكيفية قضم الجماعات الراديكالية في سوريا.
حماية مناطق خفض التصعيد:
تسعى تركيا إلى وضع سقف للتطور الحادث في إدلب، بعد هجمات شنتها قوات النظام على بعض نقاط المراقبة التركية في إدلب ناهيك عن سيطرة النظام على مدينة خان شيخون وبعض البلدات في جنوب إدلب بدعم من روسيا.
وأنشأت تركيا 12 نقطة مراقبة عسكرية في منطقة خفض التصعيد في إدلب بموجب ما تم الاتفاق عليه في محادثات أستانة عام 2017. ويسعى أردوغان عبر قمة أنقرة غداً إلى استثمار نفوذ طهران وموسكو على نظام الأسد، لوقف استهداف نقاط المراقبة التركية.
وتمثل حماية مناطق خفض التصعيد أولوية تركية، كشفت عنها تصريحات الرئيس أردوغان في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، بإعلانه أن "تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعرضت نقاط مراقبتها في منطقة إدلب السورية إلى أي مضايقات أو هجمات من قبل النظام" وأضاف "سنتخذ ما يلزم".
ويبدو أن تركيا بحاجة إلى توطيد العلاقة مع موسكو وإيران في الوقت الراهن، خاصة أنها ما زالت تواجه مأزقاً حرجاً في إدلب، على ضوء احتمالات تمدد المواجهة المحدودة بين النظام السوري وتركيا وفرض قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين في إدلب، في ظل إصرار النظام السوري على المضي قدماً في مواجهة عسكرية من أجل استعادتها.
كما تسعى تركيا عبر هذه القمة إلى تقليص الدعم الروسي للنظام السوري، والتحايل على آلية سوتشي لحلحلة الوضع في إدلب.
الضغط على واشنطن:
يسعى أردوغان من خلال قمة أنقرة إلى تكثيف الضغط على واشنطن لتأسيس منطقة آمنة في الشمال السوري، خاصة أن إدارة ترامب لديها قناعة بأن المنطقة الآمنة هي شكل من أشكال الاحتلال في الشمال السوري، كما هو حادث في عفرين، إذ سارعت أنقرة إلى التتريك، وجعلت عددا من المدارس والخدمات تعتمد اللغة التركية.
وتخشى واشنطن من توجه تركيا نحو انعطافتها شرقاً بصورة كبيرة، وبناء تفاهمات مباشرة أو غير مباشرة مع النظام السوري عبر البوابة الروسية والإيرانية.
وتعقدت علاقة أنقرة مع الولايات المتحدة بعد أن عارضت أنقرة بشدة دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد في سوريا، ومنح قوات سوريا الديمقراطية دوراً أكبر في مواجهة "داعش".
الحيلولة دون تأسيس المشروع الكردي:
تسعى تركيا من خلال تنسيق المواقف مع روسيا وإيران بجانب حماية تدخلها العسكري في إدلب إلى عزل الأكراد، والحيلولة دون تأسيس المشروع الكردي المتاخم لحدودها من منطلق اعتبار مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تتمدد في تلك المناطق منظمة إرهابية. ولعل المتغير الكردي يكون كفيلاً بدعم التقارب مع إيران وروسيا.
تهدئة المدنيين في إدلب:
تسعى تركيا عبر قمة أنقرة إلى وقف عسكرة الأزمة في إدلب، ووقف توغل قوات النظام السوري، إذ تخشى أنقرة تدفق مزيد من اللاجئين على تركيا التي لم تعد تحتمل الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لهم. وتمثل تركيا الوجهة الأولى للاجئين السوريين، حيث كشفت دائرة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، بآخر إحصائية لها، أن عدد اللاجئين السوريين على أراضيها بلغ حتى نهاية عام 2018 نحو 3,5 مليون لاجئ.
التغطية على فشل الداخل:
تمثل قمة أنقرة فرصة للرئيس التركي للتحايل على تصاعد الانشقاقات الداخلية في الحزب الحاكم، وإعادة إنتاج صورة ذهنية مغايرة له وللحزب بعد تراجع موقعه في الداخل بفعل تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد حالة التشظي السياسي.
قضايا خلافية
رغم مساحة التوافق الكبيرة بين الدول الثلاث فإن ثمة نقاطا خلافية ربما تجعل مخرجات قمة أنقرة عند حدها الأدنى، يمكن بيانها كالتالي:
تباين الأهداف في سورية:
تتباين أجندات الدول الثلاث في سوريا، وبخاصة مصير الرئيس الأسد الذي تصر موسكو وطهران على بقائه في السلطة بينما ترفض أنقرة استمراره. كما تتباين رؤية الدول الثلاث لملف المساعدات الإنسانية للسوريين، والذي تراه موسكو، وطهران أحد أدوات أنقرة لتعزيز نفوذها في سوريا، ولذلك أكد الرئيس الروسي بوتين عقب انتهاء قمة "أنقرة" في أبريل/نيسان 2018 على ضرورة ألا يتم "تسييس المساعدات الإنسانية في سوريا".
وراء ما سبق، ترى موسكو أن أولويات المرحلة المقبلة في سوريا، تتمثل في تشكيل وإطلاق لجنة تهدف إلى دفع الإصلاح الدستوري، باعتبار ذلك خطوة في دفع العملية السياسية إضافة إلى توفير بيئة حاضنة لبدء حوار مباشر بين الحكومة ومختلف أطياف المعارضة بما فيها التيار الكردي، وهو ما ترفضه أنقرة التي ترى وحدات حماية الشعب الذراع العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" كياناً إرهابيا، ويمثل امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
دعم الإرهاب:
تتهم موسكو أنقرة بعدم الالتزام بتنفيذ اتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر 2018، بشأن منطقة عازلة منزوعة السلاح للفصل بين قوات النظام والمعارضة في جنوب إدلب، لا سيما فيما يتعلق بسحب المجموعات الإرهابية، وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، وفتح طريقين دوليين يربطان دمشق مع حلب واللاذقية.
والأرجح أن ثمة رفضا روسيا - إيرانيا لدعم عسكري ولوجيستي تقدمه أنقرة للفصائل التي تقاتل النظام في إدلب في محاولة لمنع تقدمه، ولذا يتوقع أن يتعرض الرئيس رجب طيب أردوغان غداً لضغوط من ضيوفه خلال القمة لتنفيذ تعهداته في إدلب، بما فيها القضاء على الإرهاب، و"تحرير" محافظة إدلب، وإعادتها للسيادة السورية.
غياب مساحات التنسيق بين موسكو وطهران:
في الوقت الذي تشهد العلاقة بين موسكو وتل أبيب تقاربا ملحوظا، كشف عنه استقبال فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل أيام وتأكيده ضمان حماية أمن إسرائيل، تتراجع مساحات الود بين موسكو وطهران بفعل محاولات لمحاصرة النفوذ الإيراني في المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية إضافة إلى غض الطرف من قبل روسيا عن الضربات الإسرائيلية المتواصلة لقواعد الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له في سوريا.
ختاماً يمكن القول إن قمة أنقرة قد تسعف أردوغان لحظيا في القفز على أزمته في إدلب فضلاً عن تعويض رصيده المتآكل في الداخل إلا أن فرصها في تلبية طموحات تركيا في إدلب أو تحقيق اختراق نوعي للأزمة السورية، قد يكون عند حده الأدنى.