تاريخياً اتسمت العلاقات بين تركيا وإيران بالتنافس، فلكل منهما أجندتها ومشروعها الإقليمي، وطموحها نحو السيادة والسيطرة.
لكن على الرغم من أن اضطرابات الدول العربية منذ العام 2011 أطلقت العنان لطموحات الدولتين، وزاد التنافس بينهما في استغلال التطورات التي أعقبت الربيع العربي في المنطقة، إلا أن ذلك أوجد فرصاً للتعاون والتنسيق بينهما، من دون أن يعنى ذلك اختفاء التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران، والناجم عن طبيعة كل نظام وطموحه.
اليوم تركيا وإيران تعملان معاً في مشروعين متكاملين لنشر الفوضى والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وتنسقان الجهود لمواجهة مشروع الاستقرار والاعتدال العربي. ورغم تضارب المصالح التركية الإيرانية، خصوصاً في سوريا والعراق، كانت خطوط التماس بينهما قليلة، ويتم علاج تداعياتها فوراً. فقد تناسى الطرفان كل النزاعات التاريخية العسكرية بين الفرس والعثمانيين، لأن ما يجمعهما في البلدان العربية أكبر من تاريخ مضى. ولكن التدخل التركي في نزاع أذربيجان وأرمينيا الأخير أثار حفيظة طهران وأبدت انزعاجها وإن كان ذلك على استحياء.
تناقضات أردوغان وتجاوزاته جعلت صبر الإيرانيين ينفد، وذلك بعد إلقائه قصيدة في العاصمة الأذرية باكو تعزز الميول الانفصالية بين أبناء الأقلية الأذرية بإيران. كانت ردة الفعل الإيرانية سريعة وغاضبة، وفوراً استدعت الخارجية الإيرانية السفير التركي للاحتجاج على ما قالت إنها تصريحات تعد تدخلاً بشؤون إيران وقالت في بيان لها: "أبلغنا السفير التركي بأن حقبة المطالب المتعلقة بالأرض والإمبراطوريات التوسعية قد انقضت"، والحقيقة أن هذا التصريح هو من باب شر البلية ما يضحك. وعندما هدأت عاصفة القصيدة باعتذار غير مباشر من وزير خارجية تركيا، ظنّ الجميع أنه خصام أصدقاء وانتهى، ولكن أنقرة عادت وأكدت أن لديها أجندة جديدة من خلال اعتقال أحد عشر إيرانياً من المخابرات الإيرانية اتهمتهم بخطف المعارض الإيراني حبيب أسيود في إسطنبول. والحقيقة أن الذي يهمنا أن نفهمه أكثر هنا هو مدى عمق الخلاف الفعلي. عندما يوجد معارض إيراني في تركيا، وتقوم الأجهزة الأمنية بترصد اختطافه، فهذا يشير إلى أن العلاقة التركية - الإيرانية دخلت منعطفاً خطيراً.
صحيح أن هذا الخلاف، رغم التصعيد الحالي، سيجد طريقه للحل، فالدولتان ليستا مستعدتين للصراع، فلدى كل منهما مشروعٌ توسعي داعمٌ لاحتلال الدول ونشر الفوضى وبث الإرهاب، ولكنه يؤكد أن الدولتين خصمان متنافسان. فعلى رغم ما قد يتشاركونه من مصالح اقتصادية وأمنية محددة، فإن مصالحهم متعارضة في ساحات عدة في الشرق الأوسط، وما لم تحدث مواجهة بينهما بشكل مباشر، فقد تدفعان بتوظيف وكلاء آخرين للمواجهة وتنفيذ استراتيجيتهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة