عيّنت وزارة الخارجية التركية قبل أكثر من أسبوع، سفيرا جديدا لها لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وآخر لدى فرنسا.
وكان لافتاً للنظر أن الأول، وهو مراد مرجان مقرّب من رئيس البلاد السابق عبدالله غل، في حين أن الثاني وهو علي أونانار يتمتع بعلاقاتٍ جيدة تربطه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويبدو أن هذه التغييرات جاءت خوفاً من العقوبات التي فرضها الكونغرس الأمريكي على أنقرة على خلفية شرائها منظومة إس 400 الروسية الصنع، في صفقة بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار عام 2017 رغم أنها لم تتمكن من الاستفادة منها حتى الآن. وكذلك نتيجة قلقها من العقوبات الأوروبية المحدودة والتي اتفق عليها القادة الأوروبيون في بروكسل قبل أيام.
ومن الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يخشى من التغيّرات الكبيرة التي تحصل وستستمر خلال العام 2021، والتي تتمثل بتحرّك الاتحاد الأوروبي الحاسم لوضع حدّ لسفن التنقيب التركية التي تواصل مهامها شرق المتوسط رغم الرفض اليوناني والقبرصي، وأيضاً خشية من سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن التي سينتهجها مع دول العالم بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
وبالتالي المساحة التي كانت تتحرك فيها أنقرة بهدوء طيلة السنوات السابقة رغم الانتقادات الدولية، سوف تتقلص شيئاً فشيئاً مع قدوم بايدن والسياسات الجديدة التي يتخذها الاتحاد الأوروبي بشكلٍ حازم تجاهها. وهذه كلها أمور ترغم أنقرة على مراجعة سياستها الخارجية، خاصة مع تدخلها الكبير في دول الجوار مثل سوريا والعراق، وأيضاً مشاركتها المباشرة في الأزمة الليبية والحرب الأخيرة في إقليم ناغورني قره باغ، إلى جانب استمرار خطة تنقيبها عن الموارد النفطية شرق المتوسط.
والملفت أن إجراءات وزارة الخارجية التركية لم تقتصر على تعيين سفراء جدد لدى واشنطن وباريس فحسب، وإنما كان السفيران من ضمن 51 سفيراً جديداً لأنقرة حول العالم، قامت بتعيينهم يوم التاسع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهذه التغييرات التي طالت عشرات السفراء، تعكس قلق وخوف تركيا ورئيسها مما قد يحصل على الساحة الدولية.
ومن هنا يمكن القول إن الفاتورة التي ستدفعها أنقرة في العام المقبل نتيجة المتغيرات التي سوف تحصل في واشنطن وباريس وبروكسل ستكون كبيرة، فالرئيس الأمريكي الجديد يتجه ليسلك مساراً مختلفاً عن سلفه دونالد ترامب، وعلى سبيل المثال وزير الدفاع الذي قام بتعيينه قبل أسبوع، يتمتع بعلاقات جيدة مع أكراد سوريا وقد يخفف وجوده في هذا المنصب من التدخلات التركية شمال سوريا. وكذلك لا يمكن لأنقرة بسهولة تخطي العقوبات التي فرضتها واشنطن عليها إثر صفقة إس 400، والتي سوف ترغمها على تقديم بعض التنازلات المؤلمة للولايات المتحدة.
كما أن فرض أي عقوبات أوروبية قاسية على أنقرة في آذار/مارس المقبل، من شأنها أن تحاصر المدّ التركي شرق المتوسط وجنوب القوقاز، لا سيما وأن بروكسل ترفض التنقيب التركي قبالة السواحل القبرصية واليونانية، في حين ترفض باريس التدخل التركي في ناغورني قره باغ وتدخلاتها العسكرية في ليبيا والعراق وسوريا.
ولذلك سيكون عام 2021 المقبل مليئاً بالمفاجآت والتنازلات التي سيقدمها أردوغان للغرب وواشنطن، ورغم أنه يجري بعض التغييرات الطفيفة كما فعل عند تعيين 51 سفيراً جديداً لبلاده، إلا أن مهمتهم صعبة وليس بإمكانهم التخلص من العقوبات الأمريكية الأوروبية إذا ما استمرت. وإضافة لمشاكل الرئيس التركي على الصعيد الخارجي، هناك أيضاً عقبات داخلية لا يمكنه التغلب عليها بسهولة خاصة الأزمات الاقتصادية والسياسية المتعلقة بالعنف الذي تمارسه أجهزته الأمنية ضد أحزاب المعارضة. وبالتالي هذه الأزمات كلها ستفتح معاً باباً واسعاً لتنازلات فعلية من جانب أنقرة باتجاه عواصم العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة