فرضت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركي غرامات مالية على فضائيتين خاصتين، ومنعت بث برنامجين وجّها خلال الآونة الأخيرة انتقادات لأردوغان.
لم تعد الحريات الصحفية فكرة مجردة بل أصبحت حقاً قانونياً وإنسانياً له محدداته وواجباته ضمن أصول المهنة، حتى أصبحت المطالبة بها مشروعة ويمكن الاحتكام بها إلى الأنظمة والقوانين المرعية بما في ذلك نصوص القوانين والدستور العام في البلاد والمواثيق الصحفية، فالحرية لا يصنعها الدستور، بل يعمل على سن القوانين الذي تنشأ من خلالها الحرية.
لقد أصبح الحديث عن ديمقراطية إعلامية مرفوضا في بلد تحولت سلطاته التشريعية والقضائية ومؤسساته الإعلامية لحكم الفرد الواحد، ولم يعد بالإمكان الحديث عن سيادة القانون وحريات الصحافة داخل البلاد التركية
والناس في تركيا اليوم يعيشون في مناخ من الخوف والاضطراب والترهيب حيث تنتهك الحكومة التي ينبغي أن توفر الحماية للأفراد حقوقهم، ويكاد يكون تأكيد الحكومة التركية على أهمية حرية الرأي مجرد مجاملة في دستورها، والواقع ليس بهذه الصورة التي تبديها من الحرية، إذ يتعرض الصحفيون لضغوطات شديدة وملاحقات مؤثرة وبخاصة الذين يعملون في مؤسسات مستقلة. كما أنهم يتعرضون لانتقادات شديدة في الوقت الذي يرصدون فيه قضايا تهمّ المواطنين أو عندما يوجهون انتقادات موضوعية لمؤسسات الدولة، ولذلك أصبحت الحرية معدومة وغائبة في الدولة التركية.
لقد غدت الصحافة في تركيا بعيدة كل البعد عن معاني الحريات، وذات ديكتاتورية صارخة أساءت إلى جوهر الصحافة ورسالتها الإنسانية السامية، وتراجعت معظم المؤسسات الصحفية عن أداء دورها الأخلاقي والموضوعي خلال السنوات المنصرمة، وأصبح اعتقال الصحفيين في عهد أردوغان قاعدة أساسية من أجل تكميم الأفواه ومعاقبة الصحفيين الذين يعارضون مواقف النظام الأردوغاني، فاليوم يواجه الصحفي الإهانات عند المطالبة بالحرية، وتفرض غرامات عليه ويحال إلى لجان تأديبية. كما تشن الحكومة ضد أولئك الصحفيين حملات تشهير وتحتجزهم بلا محاكمة بتهم واهية تتعلق بالإرهاب.
وصنفت لجنة حماية الصحفيين الدولية التركية بأنها البلد الأول عالميا في قمع الحريات الصحفية وسجن الصحفيين في الوقت الذي يقبع فيه أكثر من مائة وخمسة وستين صحفيا في السجون التركية حاليا، وقد أصدرت محكمة تركية في إسطنبول في شهر أبريل الماضي أحكاماً بسجن أربعة عشر صحفياً من صحيفة جمهورييت التركية المعارضة بتهم متناقضة تتعلق بدعم الإرهاب، وبعيدة عن أساسيات مهنة الصحافة عدا طرد عشرات الصحفيين ورجال الإعلام.
وقد أكدت منظمة "سلام بلا حدود" العالمية أن توقيف الصحفيين في العالم أمر مزعج للعديد من منظمات حقوق الإنسان في العالم التي تؤمن بالسلام وحرية التعبير، وأن عدداً كبيراً من الصحفيين ما بين عام 2017م و2018م قد اعتقلوا في العالم لكن ثلثهم معتقلون في تركيا، واعتقالهم يتناقض مع الدستور التركي الذي يضمن حرية التعبير للصحفيين، ويعكس هذا النمط فشلاً صارخاً من جانب المجتمع الدولي لمعالجة أزمة عالمية في حرية الصحافة في تركيا.
فرضت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركي غرامات مالية على فضائيتين خاصتين، ومنعت بث برنامجين وجّها خلال الآونة الأخيرة انتقادات لأردوغان، وطلبت النيابة التركية رفع الحصانة عن 68 برلمانياً بتهمة "إهانة أردوغان" بحسب ما ذكرته صحيفة "جمهورييت" المعارضة.
هذا وفرضت الهيئة التركية غراماتها على محطتي "خلق تي في" و"فوكس تي في" بتهمة "تحريض المجتمع على الكراهية والعداء" وتأجيج مشاعر الكراهية في المجتمع، وبلغت الغرامة المقدرة على قناة "فوكس تي في" مليون ليرة تركية، مع منع إذاعة نشرة "الأخبار الرئيسية" لمدة ثلاثة أيام، بعد أن اعتبرت الهيئة أن هذه القناة "لم تأخذ بمبدأ الحيادية" في عرضها لموادها الإعلامية. أما الغرامة المفروضة على محطة "خلق تي في" فبلغت 80 ألف ليرة، مع منع إذاعة برنامج "ميدان الشعب" لـخمس حلقات، بسبب "تجاوز هذا البرنامج حدود الانتقاد".
وقال الإعلامي فاتح برتقال في مقدمة إحدى النشرات الإخبارية في العاشر من كانون الأول الماضي: "هيا لنعترض على ارتفاع الأسعار بتحرك سلمي، لنعترض على أسعار الغاز الطبيعي هل سيمكننا فعل ذلك؟ كم شخص سينزل إلى الميادين؟"، وجاء الرد من أردوغان بطريقة متهكمة واصفاً إياه بـعديم التربية.
أما العقوبة التي صدرت بحق محطة "خلق تي في" فجاءت بسبب استضافة برامجها الفنانين متين أقبينار ومجدات غزن اللذين أدليا بتصريحات دَعَيَا فيها أردوغان إلى العودة بالبلاد إلى المسار الديمقراطي، وعلى إثر ذلك ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الفنانين وعرضتهما النيابة على المحكمة التي قررت فرض الرقابة القضائية عليهما وحل الفنان غزن ضيفاً على الفنان أقبينار في برنامجه التلفزيوني ميدان الشعب، وشددا على أهمية وضرورة العودة إلى الديمقراطية، وقال الفنان غزن في سياق تصريحاته: الديمقراطية هي الحل الوحيد لخلاصنا من الاستقطاب والاضطرابات والفوضى، وإن لم نتمكن من الوصول لهذه النقطة فإنه قد يأتي أحد ويعلق القائد والرئيس من قدميه، أو يتعرض للتسميم، أو يعيش النهاية الحزينة التي عاشها القادة الآخرون من قبل ولا يمكنك يا أردوغان أن تختبر وطنيتنا ومدى حبنا للوطن.. اعرف حدودك".
لقد أصبح الحديث عن ديمقراطية إعلامية مرفوضا في بلد تحولت سلطاته التشريعية والقضائية ومؤسساته الإعلامية لحكم الفرد الواحد، ولم يعد بالإمكان الحديث عن سيادة القانون وحريات الصحافة داخل البلاد التركية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة