إرسال قوات تركية إلى ليبيا.. مخاطر محتملة
موافقة البرلمان التركي على التفويض لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، يمثل مغامرة ومقامرة كبيرة يقدم عليها أردوغان.
مررت الجمعية العامة للبرلمان التركي في 2 يناير/كانون الثاني الجاري بعد دعوة النواب لجلسة طارئة مذكرة تفويض إرسال جنود إلى ليبيا بأغلبية 325 صوتاً مقابل معارضة 184 صوتاً.
وبموجب الموافقة البرلمانية يكون تحديد موعد إرسال قوات تركية إلى ليبيا ومكان انتشارها في عهدة أردوغان، ويُمنح هذا التفويض، الذي صادق عليه البرلمان، لفترة عام واحد قابلة للتمديد.
ونجح الرئيس التركي في توظيف الأغلبية البرلمانية التي يملكه حزب العدالة والتنمية في إضفاء الطابع القانوني على تدخلاته في الشأن الليبي.
تسويق التفويض
مع تصاعد حملات الرفض الشعبي في الداخل التركي، سعت حكومة العدالة والتنمية إلى إقناع قوى المعارضة والشارع التركي بضرورة الانخراط في الأزمة الليبية، وكشف عن ذلك عدة مظاهر:
التهدئة مع المعارضة:
سعت حكومة العدالة والتنمية إلى إقناع المعارضة بأهمية الانخراط في الصراع الليبي، وبدا ذلك في عقد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو اجتماعات مع كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشينار، زعيمة الحزب الصالح، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، لكنه فشل في إقناعهما بالتخلي عن معارضتهما لنشر قوات ناهيك عن تصويتها في البرلمان ضد مشروع القرار.
وبرغم أن الحزب الحاكم ومعه شريكه المتشدد حزب الحركة القومية، نجحا في الحصول على التفويض فإن موافقة المعارضة كانت تحمل أولوية خاصة لدى الرئيس أردوغان، حتى لا يتحمل وحده المسؤولية إذا ساءت الأمور في ساحة الصراع الليبي.
حماية المصالح:
ادعت حكومة العدالة والتنمية أن الهدف من إرسال جنود إلى ليبيا ينطلق من منطلق الحرص على المصالح التركية في ليبيا، حيث يوجد ما يقرب من 25 ألف مواطن تركي في ليبيا، وتقدر الاستثمارات التركية فيها بنحو 15 مليار دولار.
كما يشكل السوق الليبي السوق الثاني للمتعاقدين الأتراك في الخارج بعد روسيا، ويوجد في ليبيا نحو 120 شركة تركية. ووصل التبادل التجاري بين الدولتين في عام 2010 إلى 9.8 مليار دولار.
واعتبر الرئيس التركي أن التدخل في ليبيا عسكريا يأتي في سياق الدفاع عن حصة تركيا في مكامن الطاقة المكتشفة في منطقة شرق المتوسط.
ولذلك نصت المذكرة على أن الاعتبارات التي تدفع حكومة أنقرة نحو إرسال قوات إلى ليبيا "حماية المصالح الوطنية انطلاقاً من القانون الدولي واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة ضد المخاطر الأمنية التي تشكلها جماعات مسلحة غير شرعية في ليبيا".
وهم الديمقراطية:
جاء في مذكرة التفويض التي مررها البرلمان أن الجهود التركية في ليبيا تستهدف بناء مؤسسات ديمقراطية في ليبيا، وتطوير الهياكل الإدارية الصلبة للدولة الليبية، خاصة أن الجهود التي بذلتها ليبيا عقب أحداث فبراير/شباط 2011 لإعادة بناء دولة مدنية ديمقراطية حرة، والقضاء على إرث السلطوية التي كانت العنوان الأبرز لنظام القذافي ذهبت سدى بسبب النزاعات المسلحة المتزايدة.
الأرجح أن مبررات النظام التركي لم تكن كفيلة بإقناع الخصوم المحليين والدوليين، خاصة أن تركيا اتجهت منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، إلى تقديم كافة أوجه الدعم للتيارات الإرهابية، الممثلة في "حزب العدالة والبناء" (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان)، ومليشيات مدينة مصراتة أكبر داعم للإرهابيين بالغرب الليبي.
كما قدمت أنقرة دعماً لتحالف "فجر ليبيا" في مواجهة "عملية الكرامة" التي أطلقها الجيش الليبي في مايو/أيار 2014 بقيادة "خليفة حفتر"، وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع الشرق الليبي.
تسويق الإنسانية:
ضمن الآليات التي ارتكز عليها الرئيس التركي لتمكين قراره الخاص بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، حاول تسويق بلاده "بصفة الإنسانية"، وظهر ذلك في التأكيد على أن دعم حكومة السراج عسكرياً يأتي في سياق الحفاظ على الأمن ضد المخاطر الأمنية والإنسانية المحتملة، مثل تيارات الهجرة الجماعية، وتقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب الليبي الذي تعرض للتشريد ممن أسماهم الرئيس التركي "الجماعات غير الشرعية".
مخاطر محتملة
تحاول تركيا تهدئة المخاوف المحلية والدولية من مخاطر إرسال جنود أتراك إلى ليبيا، من خلال التأكيد على أن مدة التفويض ستكون عاماً واحداً قابلة للتمديد فضلاً عن أن تقدير زمن إرسال القوات ومكان انتشارها سيكون في عهدة رئيس الجمهورية وفقاً للمادة 92 من الدستور التركي المتعلقة بإرسال قوات عسكرية إلى دول أجنبية.
إضافة إلى حديث نائب الرئيس فؤاد أقطاى في 1 يناير/كانون الأول الجاري مع وكالة الأناضول، والذي قال فيه إن تركيا قد لا ترسل قوات عسكرية إلى ليبيا في حال أوقف الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر هجومه على الحكومة المعترف بها دولياً في العاصمة طرابلس وانسحب.
غير أن التصريحات التركية، والدعاوى التي سوقها النظام التركي لتمرير مذكرة إرسال جنود إلى تركيا لم تفلح في تسكين قلق المجتمع الدولي، خاصة أن ثمة مخاطر محتملة للتفويض الذي حصل على موافقة البرلمان، يمكن بيانها على النحو الآتي:
تعقيد حل الصراع:
مع حصول النظام التركي على غطاء قانوني لدخوله عسكريا وبشكل مباشر بدلاً من تدخلاته الخفية، تتصاعد فرص تعقيدات الأزمة الليبية.
إذ يرى محللون أنه مع التدخل التركي في ليبيا فإن هذا البلد يتجه إلى سيناريو يشبه النزاع السوري مع مخاطر تفاقم الفوضى ميدانيا إضافة إلى إفشال الجهود التي تقودها الأمم المتحدة وعدد من الدول الأوروبية لتسوية النزاع.
تصاعد الاستقطاب الداخلي:
على الرغم من الحملات الدعائية والضغوط السياسية التي مارسها الرئيس التركي وحزبه الحاكم فإن أحزاب المعارضة الرئيسية – الشعب الجمهوري والخير والشعوب الديمقراطي- صوتت ضد منح أي تفويض للقوات المسلحة التركية للتدخل في ليبيا.
وتؤكد المعارضة التركية أن تمرير مذكرة تفويض إرسال جنود إلى ليبيا، ستشكل تهديداً على الأمن القومي لتركيا، وقد يترتب عليها خسائر في صفوف القوات التي ستنتقل إلى ليبيا.
وبرغم تأييد بعض أحزاب المعارضة في وقت سابق، عمليات عسكرية خارج الحدود التركية، وبخاصة في سوريا فإنها ترى أن نشر قوات في ليبيا يستهدف فقط بالأساس الدفاع عن التيارات الإسلامية في المنطقة، ومحاولة بعثها من جديد بعد الانتكاسة التي شهدتها في مصر والجزائر وليبيا.
عزلة النظام التركي:
تهدد خططُ أردوغان في ليبيا تقاربه مع حلفائه، وبخاصة روسيا التي تدعم قوات حفتر، وردت روسيا على تحركات تركيا في ليبيا بتصعيد الهجوم الذي تشنه الحكومة السورية المدعومة من موسكو، على مدينة إدلب التي يسيطر عليها الفصائل الموالية لتركيا.
في المقابل رفضت الدول الأوروبية تمرير البرلمان التركي قرار إرسال دعم عسكري إلى طرابلس، وحذرت أردوغان من مخاطر الانخراط العسكري في الأزمة الليبية.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي قد هدد بفرض حظر جوي في ليبيا ناهيك عن إدانة الولايات المتحدة السلوك التركي.
كما اعتبرت الأمم المتحدة التي تفرض حظرا على تصدير السلاح لليبيا أن التحركات التركية المتوقعة قد تزيد من مساحة الصراع، وتنذر بتكريس استمرار حالة الانقسام للدولة الليبية إلى جزأين، الأول في الشرق، والثاني في الغرب.
على صعيد متصل، أثارت الإجراءات التركية قلق دول الجوار الليبي، خاصة أن تونس والجزائر أعلنتا رفضهما لأي تدخل خارجي في الأزمة الليبية، برغم مساحات التقارب مع الأولى، والهدوء في العلاقة مع الثانية.
كما تواجه هذه الخطط التركية معارضة شديدة في المنطقة من قبل مصر واليونان وقبرص، علاوة على سلطات شرق ليبيا الموالية لقوات حفتر.
ختاماً يمكن القول إن موافقة البرلمان على التفويض لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، يمثل مغامرة ومقامرة كبيرة يقدم عليها الرئيس التركي.
وربما تسفر هذه الخطوة عن تصعيد الصراع ليس في ليبيا فقط، وإنما في حوض الشرق المتوسط، خاصة في ظل محاولات تركيا تفعيل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مع حكومة السراج في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي تجاهلت فيها المياه الإقليمية لبعض الجزر اليونانية، سعياً لتعطيل جهود قبرص واليونان وإسرائيل ومصر، الرامية إلى بناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى أوروبا.