انتخابات الرئاسة التركية.. الطاولة السداسية بمواجهة ثنائي الحكم
مع هدوء نسبي لـ"غبار الزلزال" في تركيا بدأ بركان انتخابات الرئاسة تتطاير منه شرارات السباق المبكر بين الثنائي الحاكم والمعارضة السداسية.
ومع بوادر الانقسام داخل تحالف الطاولة السداسية لأحزاب المعارضة التركية يكثف الجناح الحاكم من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية من دعم أرضيتهما لإضافة سنوات جديدة لفترة الحكم الممتدة لنحو عقدين.
من ناحية يحاول التحالف الحاكم الحفاظ على موقعه في السلطة عبر بوابة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في 14 مايو/أيار المقبل والتجديد للرئيس رجب طيب أردوغان.
حلم تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية يقابله ائتلاف أحزاب المعارضة الستة المكون من أحزاب (الشعب الجمهوري - الصالح القومي - السعادة - الديمقراطية والتقدم - المستقبل - الديمقراطي).
لكن بقدر قوة التكتل المعارض إلا أن "هزة خلافية" حول اختيار مرشحه الموحد في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان أحدثت شرخا وبوادر انقسام بين الائتلاف.
كيف تُجرى الانتخابات؟
يتشكل البرلمان التركي من 600 مقعد يحظى الائتلاف الحاكم منها بأغلبية (337 مقعدا) موزعة ما بين 289 مقعداً للعدالة والتنمية (حزب أردوغان) و48 للحركة القومية.
أما التشكيلة الحالية للمعارضة فتتكون من 38 مقعدا لحزب الشعب الجمهوري، و56 للحزب الشعوب الديمقراطي، و36 للحزب الجيد بينما باقي الأحزاب والمستقلين 17 مقعداً.
وتتزايد أهمية انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا 2023 مع محاولات المعارضة للفوز بهدف تنفيذ تعديلات دستورية تراها واسعة.
ولن تتمكن المعارضة التركية من تحقيق أهدافها بدون الحصول على الأغلبية البرلمانية وليس مقعد الرئيس فقط.
أزمة المعارضة
زعيمة حزب الجيد القومي المعارض في تركيا، ميرال أكشنار، قلبت الموازين والحسابات الخاصة بانتخابات الرئاسة بعد أن خرجت عن الصف لتعلن انشقاقها عن تحالف الأحزاب المعارضة الست.
ومنذ دخول حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية في تحالف عام 2017، سعت المعارضة التركية إلى الاصطفاف وراء مرشح موحد لينافس أردوغان في إنهاء فترة حكمه الممتدة منذ عام 2003 ويسعى حاليا لولاية ثالثة.
فغداة اجتماع لزعماء الأحزاب الستة المعارضة للاتفاق على اسم مرشح توافقي لخوض الانتخابات، وتحديد يوم الإثنين المقبل موعدا للكشف عن اسمه، جاء موقف أكشنار مفاجئا الجمعة.
ووجهت أكشنار سهام الانتقاد لـ"الطاولة السداسية"، ودعت رئيسي بلديتي اسطنبول وأنقرة، أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، العضوين في حزب الشعب الجمهوري للترشح، رافضة توجه التحالف المعارض لترشيح كمال كليجدار أوغلو لمنافسة أردوغان.
ولطالما اشتهرت ميرال أكشنار بـ"المرأة الحديدية" في تركيا لكنها هذه المرة صدمت المعارضين بقولها إن تحالف الأحزاب الست "لم يعد يعكس الإرادة الوطنية" في ضربة للمعسكر بما يعزز فرص أردوغان في الاستحقاق الانتخابي الجديد.
صحيفة فايننشال تايمز اعتبرت أن ما حدث هدية مجانية منحت لأردوغان جراء "انفراط عقد" المعارضة، الذي يضم إلى جانب أكشنار وكليجدار أوغلو، زعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، وزعيم حزب السعادة تمل كرم الله أوغلو، وزعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو وزعيم الحزب الديمقراطي جول تكين أويصال.
تحديات ثنائي الحكم
ورغم بوادر الانقسام التي تحاصر المعارضة التركية إلا أن صحيفة فايننشال تايمز تشير إلى مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان أحد أصعب الاختبارات الانتخابية، بسبب الارتفاع الكبير للتضخم، واتهامات بسوء الإدارة الاقتصادية.
وطالت انتقادات حادة طريقة تعامل الحكومة التركية مع الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، فبراير/شباط الماضي، وأودى بحياة أكثر من 45 ألف شخص في تركيا وحدها.
ونقلت الصحيفة عن المحلل ولفانغو بيكولي في مكتب تينيو للاستشارات السياسية قوله :"ما حدث اليوم (الجمعة) ضربة قوية لمسعى (المعارضة) لإزاحة أردوغان.. المعارضة المنقسمة أصبحت أغلى هدية للرئيس".
ووصف بيكولي دعوة أكشنار لأكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، للترشح للانتخابات بأنها دعوة لـ"التمرد" داخل حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا.
وفي أول رد فعل على هذا التطور، تعهد كليجدار أوغلو بـ"المضي في مسارنا" حتى بدون دعم حزب أكشنار التي تعارض ترشحه بدعوى أنه لا يحظى بقبول لدى قطاع عريض من الناخبين.
فايننشال تايمز أكدت أن الانتخابات الرئاسية في تركيا هذا العام تعد واحدا من "أهم السباقات الانتخابية في تاريخ تركيا الحديث بالنسبة للحكومة والمعارضة، على حد سواء، حيث يسعى أردوغان لترسيخ حكمه في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية".
ويأمل الساسة المعارضون في الذهاب بالانتخابات التركية إلى جولة إعادة وعدم حسمها من الجولة الأولى، أملا في تعزيز فرص المرشح المنافس لأردوغان.
ورأت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الدمار الهائل الذي خلفه زلزال 6 فبراير/شباط سيمثل "تحديا" أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشيرة إلى إصرار أردوغان على إجرائها في موعدها دون تأخير.
وكتبت الصحيفة أن ما خلفه الزلزال من دمار كبير سيشكل عائقا لوجستيا كبيرا أمام إجراء الانتخابات، في ظل تهدم أكثر من 200 ألف منزل وتشريد ملايين الأشخاص، مضيفة أنه "يتعين على الحكومة الآن أن توضح كيفية إجراء الانتخابات" في ظل هذه الظروف.
وقالت إن الكثير من المؤسسات العامة التي كانت تستخدم كمراكز اقتراع دمرت جراء الزلزال، وإن العديد من سكان تلك المناطق فروا منها، ما يجعل من الصعب إجراء التصويت هناك.
إلا أن الصحيفة نقلت في الوقت نفسه عن إيمري أردوغان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلجي بإسطنبول، توقعه ألا تؤثر كارثة الزلزال بشكل كبير على كتلة "الـ40 % تقريبا من الناخبين المؤيدين لحزب الرئيس".
وعلى الرغم من تعهدات أردوغان بالعمل على إعادة بناء 400 ألف منزل خلال عام واحد، أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي زاده الزلزال تأزما في تركيا.
واستشهدت الصحيفة بتقديرات البنك الدولي لحجم الخسائر المادية المباشرة للزلزال عند 2. 34 مليار دولار، أي ما يوازي 4% من إجمالي الناتج المحلي للدولة في 2021، وتوقعه بأن تفوق تكلفة إعادة الإعمار والبناء هذا الرقم مرتين.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من كل التحديات التي يواجهها أردوغان، ربما يخلط ما استجد في معسكر المعارضة الأوراق ويفتح نافذة أمل أوسع له للبقاء في الحكم.
aXA6IDMuMTQ0LjEyMy4yNCA= جزيرة ام اند امز