سياسة الإمارات خارجيا وداخليا.. عبدالله بن زايد يعدد الثمار
قليل من صناع القرار في العصر الحالي من يمسك القلم، ليبدي جلية السياسة الخارجية لدولته؛ لكن الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، يكسر قواعد الجمود، وينبري للمهمة.
ولأكثر من مرة، خصوصا في مراحل مفصلية، يضرب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، موعدا مع القراء، ليكتب مقالا يدبج فيه رسائل سياسية، تنير الرأي العام العربي والدولي.
صفحات صحيفة "الشرق الأوسط"، اللندنية هذه المرة، حظيت مجددا بمقال للشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خصصه، لريادة الإمارات، في سياستها الخارجية، وعطائها في مجلس الأمن من خلال عضويتها في الجهاز الأعلى بالأمم المتحدة.
يبدأ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، مقاله المنشور تحت عنوان: "الإمارات ريادة وعطاء في مجلس الأمن"، بمشاركة الإمارات في آخر محافل الأمم المتحدة الكبرى، وحضورها لاجتماع الجمعية العامة للمنظمة الدولية.
خاصة أن "دولة الإمارات بعد انتخابها عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2022 - 2023، اضطلعت بدور بارز للتصدي للتحديات الحاسمة في عصرنا، مثل تشجيع حل النزاعات بالطرق السلمية، وإعطاء الأولوية للإغاثة الإنسانية، والحفاظ على السلام، ومعالجة الأزمات الصحية العالمية، وتسخير إمكانات الابتكار، وتطوير المنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب، ودعم المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها المتساوية والهادفة في حل النزاعات وفي عمليات السلام".
وهكذا بسطت الإمارات في الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، "رؤيتها لتعزيز الاستقرار والحلول السياسية الشاملة في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم، ومكافحة التهديدات الناجمة عن الأنشطة العابرة للحدود للجماعات الإرهابية، ونشر التسامح وثقافة السلام، ودعم المساعدات الإغاثية والإنسانية، وتحقيق الاستقرار السياسي والتعافي من جائحة "كوفيد - 19" وأمن الطاقة، وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة".
كما كان للتغير المناخي الذي "بات أولوية لنا جميعاً إذ أصبح يشكل تهديداً وجودياً ويتحتم علينا جميعاً الإسراع في العمل نحو مستقبل خال من انبعاثات الكربون"، نصيب في هذا الصدد، خصوصا أن "دولة الإمارات أعلنت عن هدفها للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050 في إطار تعزيز رؤيتها لدعم استخدام الطاقة النظيفة".
وقد كانت تلك الاجتماعات أيضا "فرصة للإمارات لتسليط الضوء على قيم الدولة الراسخة ونموذجها الرائد ورؤيتها البناءة للتعاون الدولي والأمن والاستقرار والازدهار"، كما يقول الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وهو بذلك يشير إلى أن دولة الإمارات لا تشارك في المحافل الدولية لتسجيل الحضور فحسب، بل إنها تحمل إلى العالم رسالة قيم وتجربة ناضجة، وخطوطا عريضة لرؤية سياسية ثاقبة.
قيم درجت عليها الإمارات منذ عهد الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، -رحمه الله-، قوامها "نشر الأمل والتفاؤل والوحدة والسلام والتسامح"، يشدد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على أن "العالم اليوم أصبح في أمس الحاجة إليها، من أجل غد ومستقبل أجمل تنعم به الأجيال المقبلة".
ولا يترك الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الكلام على عواهنه في هذا المقال، بل يؤسس لربط القيم بخيط ناظم، تحت عنوان: "السلام والتعافي والازدهار"، وهو بذلك يرتب توجها خاصا بالإمارات يقول عنه: "خيارُنا في دولة الإمارات أن يكون شعار هذه المرحلة هو السلام والتعافي والازدهار، ضمن إطار نظام عالمي منفتح، قائم على قواعد القانون الدولي وشبكة متينة من العلاقات الدولية التي ندشن فيها مسارات جديدة للتعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والتنمية المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة والبحث العلمي".
ويشدد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، على أن "العالم اليوم بحاجة إلى تعزيز القيم والمبادئ، التي تؤمن بها دولة الإمارات في مواجهة التهديدات التي يشهدها العالم حالياً والتي لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال التعاون الدولي، وتعزيز التسامح والمساواة والشمولية والاعتدال والمرونة والعطاء".
وتمدّ الإمارات يدها الإنسانية للعالم، دون حسابات سياسية، حيث "ما زالت دولة الإمارات تواصل حضورها الإنساني على صعيد إغاثة المتضررين من الكوارث الطبيعية، فدولة الإمارات نموذج رائد للتضامن الإنساني العالمي من أجل المستقبل، من خلال نشر رسالة التسامح والتكاتف والبذل والعطاء ومد يد العون والمساعدة في التخفيف من معاناة المجتمعات.
وبلا كلل في تنفيذ المهمة الإنسانية يتعهد الشيخ عبدالله بن زايد فيما بين سطور المقال، بأن "تواصل الإمارات العمل على مساعدة المتضررين، سواء من خلال الدعم المباشر أو التعاون مع المنظمات والشركاء الدوليين المتخصصين، لضمان أن يعيش الجميع في أمن وكرامة".
وفي قواعد التسويق إذا دعوت المستهلك لمنتج، قدم له نموذجا ناجحا، لذلك ينثر الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، شواهد ماثلة، معيدا القارئ إلى الماضي القريب، وتحديدا قبل أشهر قليلة، حين "نجحت دولة الإمارات في تقديم نموذج متميز من التخطيط والإعداد والتنظيم لإكسبو 2020 دبي، الحدث الأبرز عالمياً، وبمشاركة أكثر من 190 دولة و24 مليون زائر، تحت شعار "تواصل العقول وصنع المستقبل".
هذا الحدث الذي لم يمر عابرا بل إنه "عكس قناعات الإمارات الراسخة بأن الابتكار والتقدم، هما ثمرة لقاء الأفراد والأفكار بطرق جديدة وملهمة".
في المجال السياسي، يلفت الشيخ عبدالله بن زايد إلى حدث آخر، وهو الذكرى الثانية لتوقيع دولة الإمارات على الاتفاق الإبراهيمي للسلام مع دولة إسرائيل، التي حلت في 15 سبتمبر/ أيلول 2022، مشيرا إلى "الخطوة الشجاعة والمهمة"، في مسيرة السلام.
ويشارك الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، القراء ثمار الاتفاق الإبراهيمي بعد عام من السلام، إذ شهد "مبادرات عديدة لتعزيز التكامل الإقليمي وتطوير التعاون في مجالات التنمية والاقتصاد في المنطقة، ونشأة مجتمع من أجل التقدم في منطقة الشرق الأوسط، سيُشكل دعامة للعمل المشترك حول الأولويات العالمية الكبرى وتعزيز الاستقرار والأمن لشعوب العالم والمنطقة".
ولا يركن الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ودولة الإمارات للماضي، بل يكون النظر دائما نحو المستقبل، حيث يرى أن "الفترة المقبلة تتطلب التركيز على الحوار والتعاون وبناء الجسور لبلورة حلول مبتكرة ودائمة لتحديات العصر، وهي مبادئ لطالما رسمت مسار دولة الإمارات منذ تأسيسها، وتواصل اتباعها اليوم في ظل القيادة الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة".
وينثر الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، بعض أجندة الإمارات للسنوات المقبلة؛ إذ "تعمل دولة الإمارات على الإعداد للمشاركة في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي COP27 في شرم الشيخ، والتنسيق مع الأشقاء في جمهورية مصر العربية من أجل نجاح المؤتمر".
لكن مؤتمر مصر سيليه آخر على أديم دولة الإمارات، حيث "تستعد لاستضافة COP28 في عام 2023 لتعزيز دبلوماسية المناخ وتحقيق تطلعات الدولة وكذلك المجتمع الدولي في معالجة التغير المناخي. فقد بات جلياً أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يعني الاستثمار في الاقتصاد والسلم والأمن الدوليين ومستقبل الأجيال القادمة".
وعودة إلى الخطوط العريضة لسياسة الإمارات الخارجية، يشدد الشيخ عبدالله بن زايد على أن " دولة الإمارات تلتزم ببناء الجسور، وتعزيز الشراكة الاقتصادية والتنموية، ورفع مستوى التبادل التجاري، ومشاركة المعرفة، وبناء القدرات، وتعزيز التعاون مع الدول في القطاعات ذات الاهتمام المشترك".
واقتصاديا -وكما يقول الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان- "تسيرُ دولة الإمارات بخطى حثيثة لتعزيزِ القدرةِ التنافسية لاقتصادها واستدامته واستكشاف فرص جديدة، لقناعتها الراسخة بأن الشراكات القوية متعددة الأطراف تمهد الطريق لمزيد من الفرص لشعوب المنطقة وفتح المجال واسعاً أمام التنمية الاقتصادية الحيوية وتحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار".
في سبيل ريادة الإمارات، ولأن الشراكات الاقتصادية ضرورة للتنمية "ولدعم هذه الرؤية والتطلعات، وقعت دولة الإمارات اتفاقياتِ شراكةٍ اقتصاديةٍ شاملة مع دول ذات اقتصادات نشطة مثل الهند وإندونيسيا وإسرائيل والتي تمهّدُ الطريقَ أمامَ المنطقةِ لمزيدٍ من فرصِ التنمية، حيث تسعى دولة الإمارات إلى أن تصبح عاصمة عالميةً للاستثمار والإبداع الاقتصادي والثقافي".
ولأن ما تحقق وما هو منتظر ليس وليد الارتجال، يشير الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، إلى أن "دولة الإمارات أطلقت حزمة مشاريع ومبادرات استراتيجية ضمن "مشاريع الخمسين" والتي تهدف إلى التأسيس لمرحلة متقدمة من النمو الداخلي والخارجي، وتوفير زخم للاستثمار في الاقتصادات الرقمية والدائرية، فضلاً عن القطاعات القائمة على الذكاء الصناعي والثورة الصناعية الرابعة".
ولا تتوانى الإمارات في توفير الوسائل للوصول إلى الغايات، فهي -وفقا لمقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان- "تدعم بقوة استخدام تكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي، وهي تستثمر موارد كبيرة في بناء القدرات لدى الشباب، كجزء من رؤيتها المستقبلية للتقدم العلمي والبشري. وقد مكنها ذلك من التقدم والريادة في هذا المجال".
ولا يقتصر الطموح الإماراتي على بلوغ عنان السماء، ومعانقة الفضاء، حيث "تواصل دولة الإمارات شغفها واهتمامها بالفضاء وعلومه، حيث تستعد لإطلاق مركبة فضائية إلى القمر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وسينضم رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى مهمة فضائية، ضمن طاقم فضائي للوكالة الأمريكية "ناسا"، ليصبح أول رائد فضاء عربي يقضي ستة أشهر في الفضاء".
وستكون المهمات الجديدة في الفضاء، إضافة للتجربة الفريدة في المنطقة، وذلك "بعد أن حققت دولة الإمارات إنجازاً تاريخياً بوصول "مسبار الأمل" إلى مدار المريخ في فبراير (شباط) 2021، والذي بعث برسالة أمل للشباب في العالم العربي، ومثل طموحات دولة الإمارات وتطلعات الشعوب العربية والإسلامية لمستقبل أكثر إشراقاً".
على المستوى الداخلي، يعرج الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في ثنايا مقاله، إلى "تعزيز البيئة الاقتصادية والبنية الاستثمارية والتجارية في الدولة ودعم أمن واستقرار المجتمع بإطلاق أضخم مشروع لتطوير التشريعات والقوانين الاتحادية شمل أكثر من 40 قانوناً، كأساس للانطلاق نحو آفاق أوسع من التقدم والتنمية المستدامة".
فضلا عن "تغييرات تشريعية مهمة تتماشى مع تطلعات والتزامات الإمارات الدولية، وإطلاق الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لتعزيز منظومة الدولة في هذا المجال، فضلاً عن رؤيتها لمواصلة العمل كوجهة منفتحة ومتسامحة يعيش ويعمل فيها أكثر من 200 جنسية".
aXA6IDMuMTQ3LjYyLjk5IA== جزيرة ام اند امز