87 يوما على تحقيق الإمارات حلم رائد الفضاء العربي
الحلم يعود إلى سبعينيات القرن الماضي عندما التقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بفريق وكالة ناسا المسؤول عن رحلة أبولو
لا تتوقف عجلة المواكبة والتطور في دولة الإمارات العربية المتحدة في فرعٍ أو شطرٍ واحد، وهي السباقة دائما في خلق مجالات جديدة وهيئات موازية لكسر القوالب التقليدية.
ورغم أن دولة الإمارات ثبّتت لنفسها وأبنائها موطئ قدم في شتى المجالات العلمية الحديثة على الأرض، لكن كل ذلك لم يروِ ظمأ أبنائها للتفرد والريادة، فاتجهت بجل طاقاتها وحَولها لتضع بصمتها في الفضاء أيضاً، فكان تأسيس وكالة الفضاء للإمارات في 2014 حجر الأساس في ترسيخ روح العزيمة والتحدي.
اليوم وبعد 87 يوما من الآن يتجه أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية في رحلة تاريخية، بدأت بحلم ومبادرة، وبعد نحو 3 أشهر يتحول الحلم إلى حقيقة.
وكالة الإمارات للفضاء
بداية مشروع إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء، يستدعي أول اهتمام لدولة الإمارات العربية المتحدة بعلوم الفضاء والفلك، فهذا الاهتمام ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى سبعينيات القرن الماضي عندما التقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع فريق وكالة ناسا المسؤول عن رحلة أبولو إلى القمر، حيث كان هذا اللقاء حافزاً لتوجيه اهتمام الإمارات بالفضاء منذ أربعة عقود.
وفي عام 2014، تم تأسيس وكالة الإمارات للفضاء بموجب مرسوم اتحادي، بهدف تطوير قطاع الفضاء في دولة الإمارات، حيث تتولى الوكالة هذه المسؤولية عبر إقامة الشراكات والبرامج الأكاديمية والاستثمارات في مشاريع الأبحاث والتطوير والمبادرات التجارية، ودفع عجلة أبحاث علوم الفضاء واستكشافه.
برنامج الإمارات لرواد الفضاء
وفي أبريل/نيسان 2017، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وصاحَبه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن إطلاق "البرنامج الوطني للفضاء".
تضمن البرنامج عدة مشاريع كبرى كان من بينها برنامج الإمارات لرواد الفضاء، ويمثل البرنامج مساراً واعداً للتنمية البشرية، والإعداد العلمي لفريق من الإماراتيين الذين سيتم تدريبهم وإعدادهم بشكل كامل للسفر إلى الفضاء.
كما يعتبر هذا البرنامج واحداً من أكثر البرامج تشويقاً وإلهاماً للشباب والكوادر الإماراتية، ويُشرف مركز محمد بن راشد للفضاء، على برنامج "الإمارات لرواد الفضاء" الذي يعد جزءاً من "البرنامج الوطني للفضاء" ويهدف إلى إعداد الدفعة الأولى من رواد الفضاء للمشاركة في مهام استكشاف الفضاء العالمية. ويسهم البرنامج في تحقيق الاستراتيجية الوطنية الرامية لتطوير كوادر علمية وإعداد الأجيال القادمة وفق أعلى المستويات العالمية، ويحقق تطلعاتهم للمشاركة في الاستكشافات العلمية وطموحات الدولة في هذا المجال.
ويحظى برنامج الإمارات لرواد الفضاء، بدعم مباشر من صندوق تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذراع التمويلي للهيئ العامة لتنظيم قطاع الاتصالات، ويُعتبر هذا الصندوق، الذي أطلق في عام 2007، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويهدف إلى دعم جهود البحث والتطوير في قطاع الاتصالات في الدولة، وإثراء ودعم وتطوير الخدمات التقنية وتعزيز اندماج الدولة في الاقتصاد العالمي.
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2019، تخرج إلى النور أكبر نتائج هذا المشروع بانطلاق هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي إلى المحطة الدولية.
إذ أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" في أبريل/نيسان 2019 عن اختيار هزاع المنصوري ليكون رائد الفضاء الأساسي في المهمة العلمية الإماراتية نحو وكالة الفضاء الدولية، على أن يكون سلطان النيادي احتياطياً له.
وسبق وصول كل من المنصوري والنيادي إلى المرحلة النهائية، اختبار أكثر من 4000 شاب وشابة إماراتيين تقدموا للمشاركة في برنامج الإمارات لرواد الفضاء.
وهزاع المنصوري، هو مهندس فحص طائرات، وطيار استعراض جوي منفرد منذ عام 2016، وحصل على بكالوريوس في علوم الطيران من كلية "خليفة بن زايد الجوية" في الإمارات العربية المتحدة، ولديه خبرة تزيد عن 14 عاما في الطيران الحربي.
أما سلطان النيادي فيعمل لدى القوات المسلحة الإماراتية بهندسة أمن الشبكات وحاصل على شهادة الدكتوراه في تكنولوجيا المعلومات، (منع تسرب البيانات) من جامعة جريفيث ويحمل درجة الماجسـتير فـي أمن المعلومات والشبكات من الجامعة نفسها في أستراليا.
محطة الفضاء الدولية
في 25 سبتمبر/أيلول 2019 ينطلق هزاع المنصوري كأول رائد فضاء إماراتي إلى الفضاء في مهمة مدتها عشرة أيام، ضمن بعثة روسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة الفضائية "سويوز إم إس 15"، ثم يعود بعد انتهاء الرحلة إلى الأرض ثانية على متن المركبة " سويوز إم إس 12".
وبعد اختياره ليكون أول رائد فضاء إماراتي، سافر المنصوري إلى مدينة النجوم بموسكو، وتحديداً إلى مركز "يوري جاجارين لتدريب رواد الفضاء وخضع لتدريبات نظرية وعملية مكثفة.
وبدأ هزاع المنصوري تدريباته مع الطاقم الأساسي للمهمة، والمؤلَّف من قائد الرحلة، رائد الفضاء الروسي أوليج سكريبوتشكا، ورائدة الفضاء الأمريكية جيسيكا مير.
وكانت جيسيكا مير، رائدة الفضاء الأمريكية، قد غردت عبر حسابها على "تويتر" بصورة تجمعها مع المنصوري وسكريبوتشكا، مؤكدة أنها فخورة بالعمل ضمن طاقم فضاء متنوع، كما عبرت عن مدى إعجابها بمدى جدية والتزام وحماس المنصوري في اجتياز المهمة الموكلة إليه، وإتمامها متذرّعاً بأفضل النتائج.
مهام علمية وتوثيقية
المنصوري الذي يُعتبر أول رائد فضاء عربي تستقبله محطة الفضاء الدولية، سيقوم بتقديم جولة تعريفية مصورة باللغة العربية للمحطة، حيث سيوضّح مكونات المحطة والأجهزة والمعدات الموجودة على متنها كما سيقوم بتصوير كوكب الأرض، والتفاعل مع المحطات الأرضية، ونقل المعلومات والتجارب، إضافة إلى توثيق الحياة اليومية لرواد الفضاء على متن المحطة.
ويُوكَل للمنصوري خلال تواجده على متن محطة الفضاء الدولية عدة مهام علمية، تتضمن القيام بتجارب توضح تأثير الجاذبية الصغرى مقارنة بجاذبية الأرض، بالإضافة إلى 15 تجربة سيتم اختيارها بناء على مسابقة "العلوم في الفضاء" التي أطلقها مركز "محمد بن راشد للفضاء" والتي تستهدف المدارس داخل دولة الإمارات.
كما سيتم دراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان داخل المحطة مقارنة بالأرض قبل وبعد الرحلة، وللمرة الأولى سيتم هذا النوع من الأبحاث على إنسان عربي، حيث ستُقارن النتائج مع أبحاث أجريت على رواد فضاء من مختلف دول وأقاليم العالم.
وإضافة إلى ذلك، ستُوكل إلى المنصوري مسؤولية استكمال مهام علمية في مختبرات محطة الفضاء الدولية خلال فترة المَهمة.
تحديات جديدة
خضع كل من المنصوري والنيادي لتدريبات نظرية وعملية شاقة، سواء داخل المركز أو في الغابات السيبيرية الباردة، وتم تقسيم التدريب النظري إلى شقين، وقد ركّز الشق الأول منه على اللغة والكلمات المستخدمة للتعبير عن حالات الإصابة وطلب المساعدة، فيما يركز الشق الثاني من التدريب على تعليمات النجاة والتعرّف على الإسعافات الأولية وطرق استخدامها.
انتقلا بعدها إلى المرحلة العملية، من خلال التدريب على الإقلاع والهبوط وكيفية التعامل مع الحالات غير الاعتيادية، أو الطارئة، إضافة لتدريبات محاكاة الظروف التي قد تطرأ لرائد الفضاء حال عودته للأرض، حيث من الممكن أن يحتاج إلى هبوط اضطراري، ما يحتّم عليه النجاة في ظروف مناخية مجهولة.
تدريبات النجاة
وأيضاً في إطار الاستعدادات الجارية لإرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية في مهمة علمية، اجتاز المنصوري والنيادي، في فبراير/شباط الماضي، تدريبات النجاة في البرد القارس، التي يجريها المركز الروسي "يوري جاجارين لتدريب رواد الفضاء" في إحدى غابات العاصمة الروسية خارج موسكو لتدريب رواد الفضاء على البقاء على قيد الحياة، ضمن ظروف الشتاء القاسية ودرجات الحرارة التي تنخفض عن الصفر المئوي.
87 يوما
لم تعد تفصل دولة الإمارات العربية المتحدة عن أهم حدث في تاريخها وتاريخ العالم العربي سوى أيام لا يتجاوز عددها المائة، حيث من المقرر في تاريخ 25 سبتمبر/أيلول المقبل أن يغادر هزاع المنصوري كوكب الأرض ليكون سفيراً لجميع العرب ومثالاً لشبابهم في تحقيق الطموح، ودخول التاريخ من أوسع أبوابه وفي إنجاز جديد لدولة الإمارات، إنجاز وصفه المنصوري في مقابلة سابقة مع "العين الإخبارية" بـ"التاريخي" مؤكدا أن "أبناء زايد لا يعرفون المستحيل".