الإمارات وبريطانيا.. تحالف استراتيجي لمكافحة الإرهاب
تعاون متنامٍ بين الإمارات والمملكة المتحدة في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة والعالم، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
وتعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى المملكة المتحدة، التي بدأها اليوم الخميس، محطة هامة في مسيرة التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب.
وخلال الزيارة، يبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا علاقات الصداقة والتعاون الاستراتيجي بين دولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى عدد من القضايا والمستجدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وتعمل الإمارات والمملكة المتحدة سوياً لمكافحة كافة أشكال وصور التطرف والإرهاب، على أكثر من صعيد، عبر تعاون ثنائي متواصل وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون في هذا الشأن أو من خلال مشاركة البلدين في تحالفات دولية لمواجهة التطرف والإرهاب.
وتعد قضية مكافحة الإرهاب إحدى أبرز القضايا التي تفرض نفسها على أجندة المباحثات بين الزعيمين، نظرا للتعاون المتزايد بينهما في هذا المجال من جانب، وإيمانا من الدولتين بأن التعاون الدولي والعمل المشترك هو السبيل الأنجع للتصدي والقضاء على الإرهاب والتطرف.
كما تتوافق رؤى البلدين على أهمية نشر التسامح، وتعزيز الاستقرار والسلام والازدهار في محاربة التطرف.
اتفاقيات مشتركة
على صعيد الاتفاقيات بين الجانبين، وقعت دولة الإمارات والمملكة المتحدة خلال السنوات الماضية عددا من مذكرات التفاهم لتعزيز التعاون بينهما في مجال مكافحة الإرهاب، من بينها مذكرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات ذات العلاقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما وقع البلدان مذكرة تفاهم بين وحدة مواجهة غسل الأموال والحالات المشبوهة بالمصرف المركزي في الإمارات، ووحدة الاستعلامات المالية في المملكة المتحدة لدى وكالة الجريمة الوطنية بشأن التعاون في تبادل المعلومات المالية المتعلقة بغسل الأموال والجرائم الأصلية المرتبطة به وتمويل الإرهاب.
وبالإضافة إلى ذلك، وقع البلدان إعلان نوايا بين وزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة ووزارة الخارجية في المملكة المتحدة والمركز الدولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف "مركز هداية".
تحالفات دولية
أما على صعيد التعاون الدولي، تشارك البلدان في تحالفات دولية بغرض مكافحة الإرهاب، كان أحدثها اجتماعات آخرها في 28 يونيو/ حزيران الماضي، حيث شاركت كل من الإمارات والمملكة المتحدة في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الذي انعقد في العاصمة الإيطالية روما.
وخلال الاجتماع، أكد وزير الدولة الإماراتي خليفة شاهين المرر على ضرورة استمرار العمل والتعاون في التصدي لتنظيم داعش الإرهابي وأفكاره المتطرفة، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على التقدم الذي تم إحرازه لمنع التنظيم الإرهابي من إعادة ترتيب صفوفه، ومواصلة الجهود المشتركة في مواجهة أيديولوجية "داعش" وأفكاره الإرهابية، وتقليص قدرته على التوسع في أجزاء أخرى من العالم، وبخاصة في أفريقيا.
كما أشار إلى أنّ دولة الإمارات تؤمن بأن العمل المشترك هو السبيل الأنجع للتصدي والقضاء على الإرهاب والتطرف، مع تأكيده على أن مواجهة التطرف والإرهاب تتسق مع رؤية دولة الإمارات لبناء المستقبل، وإشاعة التسامح، وتعزيز الاستقرار والسلام والازدهار.
بدورها، أكدت المملكة المتحدة التزامها بتقديم 12.6 مليون جنيه إسترليني، لدعم الجهود المبذولة لمواجهة تنظيم داعش في حوض بحيرة تشاد.
كما كان للبلدين تجربة بارزة ناجحة معا في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب والتي تتمثل مهمته الرئيسية في الحد من تعرض الأفراد في جميع أنحاء العالم للإرهاب، وذلك من خلال منع الأعمال الإرهابية ومكافحتها وملاحقتها قضائيا، ومكافحة التحريض على الإرهاب.
وتولت دولة الإمارات بالشراكة مع المملكة المتحدة رئاسة فريق العمل المعني بمكافحة التطرف العنيف التابع للمنتدى في الفترة من 2011 إلى 2017.
وخلال تلك الفترة، وتحديدا خلال الاجتماع الوزاري الثالث للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي عقد في أبوظبي في أواخر 2012، افتتح الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف "هداية"، ليكون المؤسسة الدولية الأولى المعنية بإعداد البحوث الخاصة بمكافحة كافة أشكال ومظاهر التطرف، ودعم الجهود الدولية في هذا المجال.
وهي خطوة قُوبلت- وما زالت- بدعم وتأييد وإشادة بريطانية، وظهر ذلك جليا في إعلان جونسون -وزير الخارجية البريطاني آنذاك- في لقاء جمعه بالشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان يوم ٢٢ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٦، توسيع نطاق دعم بلاده لمركز "هداية"، مشيرا إلى خطة لتوفير تمويل سنوي للمركز بقيمة 1.4 مليون دولار لتمويل عدد من برامج مكافحة التطرف الدولية التي تتم إدارتها من خلال المركز.
وأشاد جونسون في ذلك الوقت، بالدعم الاستراتيجي والمالي الذي تقدمه حكومة دولة الإمارات إلى مركز "هداية".
تعزيز الخبرات
على صعيد التعاون الثنائي بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، تحرص الإمارات والمملكة المتحدة على إقامة ورش عمل وبرامج تعاون متواصلة لتبادل الخبرات وزيادة التعاون في هذا الجانب.
كان أحدثها قبل 3 شهور، حيث جرى تنظيم برنامج على مدار أسبوعين في يونيو/حزيران الماضي بين الإمارات والمملكة المتحدة لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ونظم البرنامج المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الإمارات "AML / CTF" وهيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك في المملكة المتحدة "HMRC"، بهدف تعزيز البروتوكولات المصممة لتحديد ومعالجة ممارسات غسل الأموال مع إيقاف تدفق الأموال والسلع بالطرق والوسائل غير المشروعة.
وشارك في البرنامج الذي استمر لمدة أسبوعين ممثلون من وكالات تطبيق القانون والإشراف في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، من بينهم وزارة الداخلية ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي ووحدة المعلومات المالية الإماراتية ووزارة الاقتصاد، ووزارة العدل والهيئة الاتحادية للجمارك.
وقال حامد الزعابي مدير عام المكتب التنفيذي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إن التعاون مع هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك في المملكة المتحدة يعزز الخبرات ويسهم في مواجهة التحديات المشتركة كمراكز مالية وسلعية دولية من خلال الاستمرار في العمل والتعاون الوثيق فيما بيننا، بما يعزز فاعلية جهود مواجهة الفساد والجريمة المنظمة وتمويل الإرهاب.
في السياق نفسه، نظمت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في 23 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي ورشة عمل مشتركة بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة حول سبل تعزيز منظومة مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث جمعت الورشة، عبر تقنية الاتصال المرئي، عدداً من المسؤولين المعنيين من الجانبين لمناقشة الجهود المبذولة لمكافحة الجريمة المالية من خلال التعاون العابر للحدود، والتنسيق بين القطاعين العام والخاص.
وضم وفد دولة الإمارات ممثلين عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي، ووزارة الاقتصاد، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل، والمصرف المركزي، والهيئة الاتحادية للجمارك، والمكتب التنفيذي للجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة، وهيئات إنفاذ القانون داخل الإمارات.
فيما ضم الوفد البريطاني ممثلين عن وزارة الخزانة، ووزارة الداخلية، والمركز الوطني للجرائم الاقتصادية، والسلطة المركزية، ودائرة الادعاء الملكية، إلى جانب مسؤولين من الجهات المعنية بالإيرادات العامة والجمارك، وهيئات أخرى.
آفاق مستقبلية
ويتوقع مراقبون أن يستمر التعاون بين الدولتين في مجال مكافحة الإرهاب، ويصل آفاقا أرحب خلال الفترة المقبلة، خصوصا بعد انتخاب الإمارات عضوا في مجلس الأمن للفترة بين 2022 و2023.
وترى دولة الإمارات أنه "لا يمكن أن تنجح الجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب بدون وحدة مجلس الأمن والمجتمع الدولي ككل"، علما يأن المملكة المتحدة أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
وسبق أن شددت دولة الإمارات على أهمية أن تركز استراتيجية مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب على استباق التحديات وألا تقتصر فقط على الاستجابة للأحداث التي تقع، موضحةَ أن ذلك يتطلب النظر في كيفية استخدام الابتكار التكنولوجي لتحسين جهود مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى إجراء دراسات تحليلية حول تداعيات الإرهاب مع مراعاة الفوارق بين الجنسين.
وأكدت أنها "ستستمر في جهودها الرامية إلى القضاء على هذه الآفة العالمية، وستحافظ على نهجها في مكافحة الإرهاب خلال عضويتها في مجلس الأمن للفترة 2022 - 2023".