أنا لست إماراتيا، لكن سحر الإمارات يدعوني أن أكون كذلك، وقبل السحر يأتي ضمير كل من مر أو أقام في هذا البلد المضياف.
مما يؤسف له حقاً في حالة (أمة العرب)، أننا فقدنا الثقة حتى بأنفسنا، وأصبحنا نستكثر على أمتنا أن يكون فيها شيء ذو قيمة تساير به الشعوب والأمم . مؤخراً رحنا نتناقل ملايين الرسائل الهاتفية التي تمجد "تركيا أردوغان"، "وماليزيا ماهاتير محمد"، وآخرها " كازاخستان نور سلطان"، ولا نعبأ كثيراً برسائل تروي معجزة الأشقاء في "إمارات زايد الخير والعطاء"، هذا البلد العربي الذي يقود ملحمة تاريخية أوغرت صدور العواصم الأوروبية، وجيشت إعلامها ومنظماتها (اللاحقوقية) للنيل من سمعته في كل سانحة تلوح لها، هذا البلد العربي المسلم الذي طوّق أعناق العالم شرقاً وغرباً، بالخير والفخر والأمل، نغض الطرف عنه، وكأننا شركاء للغرب ضد أشقائنا العرب. الآن مزمار الحي لا يطرب؟ أم لأن التباهي بجدائل الصديقات بات أفضل من التباهي بجمال الشقيقات؟ أهو الخجل أم قلة الخجل؟ ألسنا نحن الشعب الوحيد في العالم الذي تبارى أجدادنا بالانتساب للشقيقات؟ فكان منا "أخو شما وأخو نوف ومهرة وأخو وضحة و رشيدة.."؟ لماذا بتنا اليوم نستهجن أن يقوم بيننا بلد نطاول به الأعناق، ونباهي به الأعاجم حداثةً ورقيا وفخامةً وسلاماً وحرية وذكاءً وأمناً.. عجزت دونه دول الغرب وأمريكا أن توفر لشعوبها هذه الكرامة الفائضة والأمن والرخاء.
لا تحدثوني إذن عن معايير ازدهار الدول بقوة الجيوش والخطابات وعرط الزعامات والإعلام والفبركات.. فإسرائيل أقوى دولة في المنطقة ولا يحظى شعبها بإحترام العالم، كما يحظى شعب الإمارات، وتركيا قد تكون ناهضة عسكرياً وصناعياً، لكن نهضتها لا تعني شيئاً لمليون فتاة تركية يمتهن البغاء.
أنا لست إماراتياً، لكن سحر الإمارات يدعوني أن أكون كذلك، وقبل السحر يأتي ضمير كل من مر أو اقام في هذا البلد المضياف، فكم من عربي تقطعت به في موطنه سبل الحياة، ليبرز شامخ الرأس عزيزاً في الإمارات، وكم من شاعر ماتت قصيدته، ومفكرٍ نُبذت افكاره ، وسياسي حاذق تخلت عنه حكومته، وداعٍ إلى شرع الله القويم استبيحت كرامته.. فكانت الإمارات موئلاً لهم جميعاً، لأنها ببساطة لا تخشى الأقلام والكلمات.
لقد ابتنى أشقاؤنا الإماراتيون الاتحاد العربي الأوحد الذي استمر عقوداً ولم يزل راسخاً يطاول البناء، واختار الشعب كله زعامته التاريخية، التي مكنت له بين شعوب الأرض أعز المكانات، لأنها زعامة نابعة من تلك الأرض وعانت شظف العيش فيها وتدرك معنى الشقاء، فهي لم تأتِ على ظهر دبابة، ولم تزعم يوماً أنها هبطت من السماء، فشرعت تقيم حاضرة عربية في وسط الصحراء تعانق الشمس، وتحلم كل صباح بمزيد من العلياء، فالثروات تعمل داخل الأوطان لا ودائع شخصية مخبأة في بنوك الغرب للملمات، زعامة نصفها فرسان خيل ونصفها الاخر شعراء، وسياسيون حكماء انجبتهم البيداء، تقود شعباً ديدنه حب الخير للبشرية جمعاء.. وهذه "قندهار" تروي لكم بالأمس قصة رسل الإنسانية من أبناء الإمارات الذين قضوا على أرضها شهداء.
أتدرون لماذا أمة الامارات "خير أمة"؟ لأنها "أمة الخير" بامتياز، فهي التي أسعفت ثرواتها ملايين الأسر الفقيرة حول العالم، ونهضت بأعباء الاشقاء العرب جميعا، فزايد الذي ما بخل يوما بثروة بلاده على العرب، حتى أرسل ابنه الأكبر (خليفة) لجبهة الحرب المصرية مع إسرائيل..ليقول للعالم إن أبناءنا ليسوا أغلى علينا من كرامة العرب، فعلاً لا مجرد شعارات، وهو الحكيم الذي لو سمعوه العرب لما جاءت جيوش الدنيا في حرب الخليج، لتقضي على ما تبقى من كرامة العرب.
اليوم، يتولى أبناء زايد، بأرواحهم ودمائهم وأموالهم دحر الحوثي النجس عن جزيرة العرب، فأين أنتم يا أمة العرب، عن التغني بحاضرتكم جميعا.. حاضرت العرب؟
*أتشقني إن كنت أبكي بعبرةٍ*
*لقومٍ أتاني ودهُم غير كاذبِ*
*فإني لباكٍ ما بقيتُ وذاكرٍ*
*مآثرَ قومٍ مجدُهم بالجباجبِ*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة