ارتضى الإسرائيليون والفلسطينيون، منذ سنوات، حل الدولتين، أى دولة فلسطينية مستقلة، ودولة إسرائيل، وأقرت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ذلك الحل
ارتضى الإسرائيليون والفلسطينيون، منذ سنوات، حل الدولتين، أى دولة فلسطينية مستقلة، ودولة إسرائيل، وأقرت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ذلك الحل، فضلاً عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، من يراجع قرار التقسيم الصادر سنة 1947، يجد أنه يتحدث عن دولتين، دولة للفلسطينيين «العرب»، وأخرى لليهود، وقامت إسرائيل فى مايو 1948، ولم تقم الدولة الفلسطينية إلى اليوم؛ وكان هناك رأى بأن يكون الحل هو إقامة دولة واحدة ثنائية القومية، ذكر د. محمد حسين هيكل (باشا) فى مذكراته، عن جلسات مجلس الأمن التى انتهت بصدور قرار التقسيم، أن الأمين العام للأمم المتحدة «رالف بانش»، وكان زميلاً قديماً له فى «السوربون»، نصحه، وكان رئيساً للوفد المصرى، أن يتقدم العرب بمشروع بديل لمشروع التقسيم، حتى تتم المفاضلة والاختيار بينهما، وكان المشروع البديل هو الدولة الواحدة ثنائية القومية، التى تعطى لليهود مزيداً من الحقوق فيها، وكان رأى «بانش» أنه إذا ظل النقاش حول مقترح واحد، وهو التقسيم الذى تقدم به يهود فلسطين، وليس هناك مقترح آخر يقابله، بحل للأزمة، فإنه سوف يحظى، فى نهاية المطاف، بالموافقة. وعرض د. هيكل ومعه الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل فيما بعد)، وكان رئيساً للوفد السعودى، الأمر على «جمال الحسينى»، كى يعرضه هو على عمه الحاج «أمين الحسينى»، وكان رد جمال أن الحاج أمين سوف يضربه بالرصاص لو سمع منه هذا الكلام، المهم لم يجد حل الدولة الواحدة أى أذن صاغية، ورفضت كل الأطراف هذا التصور، ويجرى العمل منذ يونيو 1967 على حل الدولتين، غير أن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أعاد إلى التفكير ثانية حل الدولة الواحدة، خلال مؤتمره الصحفى مع «بنيامين نيتيناهو» مؤخراً، واشترط أن يتفق عليه الطرفان، أى الفلسطينيون والإسرائيليون.
مصر من جانبها أعلنت فوراً تمسكها بحل الدولتين، وكذلك أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية، والأمر المؤكد أن حل الدولة الواحدة يقضى على آمال الفلسطينيين بأن تكون لهم دولتهم المستقلة، ويعنى ذلك الحل أن كل التضحيات والنضال الفلسطينى منذ ثورة الشعب الفلسطينى الكبرى سنة 1936 وحتى اليوم، كانت بلا معنى وبلا هدف.. غير أن المضار الأكبر من هذا الحل هو إسرائيل نفسها، إذ إنه يدمر المشروع الصهيونى، ويقضى على حلم «يهودية الدولة»، وفكرة أنها وطن قومى لليهود، ففى ظل الدولة الواحدة سوف تكون إسرائيل دولة ثنائية القومية، متعددة الهويات الدينية والثقافية، ولا يمكن لهم أن يقبلوا به، ولو كان ذلك مقبولاً منهم لما أُعلن قيام إسرائيل أساساً، ولصار المطلب مزيداً من الحقوق والامتيازات السياسية والاقتصادية لليهود فى فلسطين.
حين تولى «بنيامين نيتنياهو» رئاسة الحكومة، أول مرة، فى التسعينات، وتعنت مع الفلسطينيين فى مسألة إقامة الدولة الفلسطينية، طرح الراحل محمد سيد أحمد فى جريدة «الأهالى» فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية، الأمر الذى أزعج كثيراً من الإسرائيليين وقتها، وهكذا بقى حل الدولة الواحدة يطلق لتخويف الإسرائيليين من التعنت ورفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
من حسن الحظ أن الرئيس الأمريكى طرح تصوره كرأى، وليس باعتباره سياسة وتوجهاً يعمل عليه، وهو ترك الموضوع فى يد الطرفين، الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم يُبد أى منهما استعداداً حتى للتفكير فى حل الدولة الواحدة، لكن اقتراح «ترامب» يجب أن يكون محفزاً على العمل لإقامة الدولتين.
ينبغى القول إن جزءاً كبيراً من مشاكل المنطقة ودولها نشأ فى أعطاف القضية الفلسطينية، الصراع العربى - الإسرائيلى، أثّر سلباً على التنمية فى المنطقة، ذلك أن جانباً كبيراً من الموارد ذهب إلى الاستعداد العسكرى، ودخول المنطقة فى حروب أجّل عملية التحول الديمقراطى.
فى سوريا -مثلاً- بعد الاستقلال عن فرنسا، كان تداول السلطة يمر بسلاسة شديدة، وفى أعقاب حرب 1948، وبسببها جرى اغتيال ملك المملكة الأردنية الهاشمية ومؤسسها الملك عبدالله بن الشريف حسين.
ونحن فى مصر تحمّلنا «فاتورة ضخمة» سياسياً واقتصادياً وإنسانياً من جرّاء هذا الصراع، يكفى خمسة حروب خضناها، وهى 1948، 1956، 1967، حرب الاستنزاف، ثم حرب أكتوبر، قدمنا خلالها أكثر من مائة ألف شهيد، وأضعاف هذا الرقم جرحى، وبعدها خضنا حرب السلام، التى أدخلتنا فى أزمات مع أشقائنا العرب، منذ أن وقّع الرئيس السادات معاهدة السلام سنة 1979 مع إسرائيل، حيث تعرضنا لمقاطعة عربية، استغرقت عقداً كاملاً، تعرضنا فيها للكثير من المزايدات، خاصة من أولئك الذين تصوروا أن بإمكانهم القفز على دور مصر ومكانتها، وكان أن أخذوا المنطقة إلى جحيم حقيقى.
على أن المشكلة الأكبر التى خرجت من معطف هذه القضية هى التشدد والتطرف الدينى وما سبقه من إرهاب، صحيح أن جماعة الإخوان كانت موجودة منذ نهاية العشرينات، وظهر إرهابها منذ الأربعينات، أى قبل صدور قرار التقسيم، لكن خطرها كان يمكن السيطرة عليه، وإنهاؤه تماماً لو لم تكن المشكلة الفلسطينية، إذ استغلت تلك الجماعة الإرهابية المشكلة وقدمتها باعتبارها صراعاً إسلامياً - يهودياً، وليست صراعاً وطنياً وقومياً.
وهكذا تم فهم وتفسير مراحل الصراع العربى - الإسرائيلى تفسيراً دينياً، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة سوف تُسقط الكثير من ذرائع ومبررات هؤلاء المتشددين، صحيح أن هدف تلك الجماعة وغيرها من الجماعات الإرهابية، التى خرجت من رحمها، كان الوصول إلى السلطة وإقامة دولة الخلافة، ومن الثابت أنهم أخذوا هذه القضية للمزايدة على الحكومات والدول العربية، خاصة الدولة المصرية، وراحوا يثيرون الرأى العام بها.
حل الدولة الواحدة يأخذنا إلى المربع صفر، ولن يحل المشكلة، بل يزيدها تعقيداً، فلن يرضى الفلسطينيون والعرب عموماً، ولن يرضى كذلك الإسرائيليون، الحل الحقيقى، الممكن والمتاح، هو إقامة دولتين، وهذا يعنى أن نعمل جميعاً على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو حل أمامه كثير من الصعاب، ولكنه ليس مستحيلاً، ولا بديل عنه فى الأفق المنظور.
نقلا عن / الوطن
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة