الحضارة لغوياً لها عدة تعاريف ومنها أنها «نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي
الحضارة لغوياً لها عدة تعاريف ومنها أنها «نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون» وترتكز في المقام الأول على البحث العلمي. وقد كان للعالم العربي حضارة ساهم في تأسيسها وازدهارها العلماء المسلمون لفترة امتدت لما يقارب سبعة قرون من منتصف القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر الميلادي حيث تمكن العلماء العرب المسلمون من الاستفادة من تراجم الكتب والمؤلفات والإنجازات العلمية لمن سبقوهم من الحضارات الأخرى وتطوير مختلف حقول العلم الإنساني.
وقد بزغ نجم العلماء العرب المسلمين في مجالات علمية متعددة منها الفن والعمارة والطب والصيدلة والزراعة واللغة والتقنية والمناهج العلمية والفلك والفلسفة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والاقتصاد وغيرها. وأنشأ العرب أول جامعة وهي «بيت الحكمة» في بغداد سنة 830م ثم تلاها جامعة «القرويين» سنة 859م في «فاس» ثم جامعة الأزهر سنة 970م في حين كان إنشاء أول جامعة في أوروبا سنة 1090م في صقلية، والتي جاءت فكرتها من الجامعات العربية. كما أخذت أوروبا عن العلماء العرب العديد من أسس تطوير العلوم الحديثة، وعلى سبيل المثال علم الكيمياء الذي ارتكز على الترجمات اللاتينية لأعمال جابر ابن حيان وعلم الرياضيات الذي طوره إلى حد كبير الخوارزمي الذي ينسب إليه الفضل في علم الجبر واختراع «الخوارزمية».
أضف إلى ذلك أعمال ابن رشد ونصر الدين الطوسي وغيرهم في علم الفلك وابن سينا وأبو بكر الرازي والزهراوي في علم الطب وابن الهيثم في الفيزياء وجهاز الاسطرلاب المستعمل في الفلك والمسننات المتقدمة التي تم استعمالها في الساعات المائية والآلات ذاتية التشغيل والثورة التقنية الزراعية التي شهدتها مدن الأندلس وانتقلت لمدن أوروبا. كما كان لإسهامات ابن الهيثم في تطوير مناهج البحث العلمي أثر بالغ الأهمية في أعمال علماء الغرب بجانب إسهامات ابن سينا وابن رشد وأبي حامد الغزالي وغيرهم في الفلسفة. ومثلما انتقلت أعمال العلماء السابقين لأقرانهم العرب إلى المدن العربية أثناء الحضارة العربية الإسلامية، انتقلت أيضاً أعمال وإسهامات العلماء العرب إلى نظرائهم في أوروبا من خلال صقلية والأندلس والحملات الصليبية، وبعض المدن التي اختلطت فيها الثقافتين العربية واللاتينية كأنطاكية.
ويتضح من ذلك أن الحضارة العربية الإسلامية قد قامت وازدهرت وانتقلت للعالم الغربي على أسس العلم وتطوير حقوله المختلفة. ولطالما سمعنا وقرأنا عن جهود العديد من القادة العرب على مر العصور لإحياء الحضارة العربية مرة أخرى بعد زوالها، ولكن اللافت للنظر أن تلك الجهود لم تكن مبنية على الأسس السليمة التي قامت عليها حضارتنا في السابق وبقية الحضارات الأخرى ألا وهي أسس العلم. ولذلك جاءت الدعوة الصحيحة من دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لاستئناف الحضارة العربية واستنهاض قوى العرب ومن ضمن ما قاله سموه: «المنطقة العربية مهد الحضارة البشرية ولابد من أن يكون لدينا جميعا أمل وتفاؤل، وأنا متفائل ولدي أمل باستئناف الحضارة العربية».
والسؤال هنا: على ماذا استند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دعوته؟ والإجابة بكل وضوح هي على: العلم. فالعلم هو الطريق الأمثل والوحيد لتأسيس الحضارات واستئنافها من سباتها. فالعلماء العرب هم من أسسوا حضارتنا التي استند عليها الغرب لاستئناف حضارتهم. وعلماء دولة الإمارات الشباب هم من تقوم عليهم حضارة دولتنا، ومن مظاهرها الوصول لكوكب المريخ. فهل نرى تجاوب العلماء العرب مع دعوة دولة الإمارات لاستئناف الحضارة العربية من أرض الإمارات، بعيدا عن أي جانب قد يعيق تحقيقها؟
نقلا عن / الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة