الإمارات وتشيلي.. تعاون ثقافي بناء لمواجهة التحديات وتعزيز الأخوة الإنسانية
تشهد العلاقات بين دولة الإمارات وتشيلي تطوراً مستمراً في العديد من القطاعات الحيوية، ويعكس هذا التقدم حرص قيادتي الدولتين على تعزيز هذه العلاقات لتحقيق مصالح الشعبين الصديقين.
وتتوثق عرى هذا التعاون يوما بعد يوم، في ظل المباحثات المتواصلة بين مسؤولي البلدين، والزيارات المتبادلة بينهما، واتفاقيات التعاون والشراكة.
تعاون يستند إلى أرضية صلبة من القيم المشتركة، التي تدعو للحوار وتعزيز الأخوة الإنسانية والتسامح والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة.
ويرتقب أن يشهد هذا التعاون دفعة قوية مع الزيارة التاريخية التي يجريها رئيس تشيلي غابرييل بوريك فونت، إلى الإمارات، الإثنين، ويبحث خلالها مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مختلف جوانب التعاون.
وتأتي زيارة رئيس تشيلي إلى دولة الإمارات بعد 5 شهور فقط، من تكريم نيلي ليون كوريا، الرئيس والمؤسس المشارك لمنظمة مؤسسة المرأة الصامدة غير الحكومية في دولة تشيلي، بجائزة زايد للأخوة الإنسانية في دورتها الخامسة لعام 2024.
تعاون ثقافي
وتعد تلك الزيارة هي الأولى التي يقوم بها رئيس تشيلي إلى دولة الإمارات منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال عام 1978م، والتي تعززت مع افتتاح تشيلي سفارتها في أبوظبي أبريل/نيسان 2009، وافتتاح دولة الإمارات سفارتها في سانتياغو يونيو/ حزيران 2011.
واكب التعاون الدبلوماسي المتنامي، تعاون ثقافي متزايد، فمنذ افتتاح سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في جمهورية تشيلي عام 2011، قامت بتنظيم فعاليات متواصلة للترويج لمختلف المجالات الثقافية.
ونظمت سفارة الإمارات في سانتياغو ندوات عدة في جامعات ومؤسسات وطنية مختلفة في تشيلي، بهدف إبراز الدور الريادي للدولة في مختلف المجالات، لا سيما في مجال التسامح وهو أحد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع الإماراتي حيث يتعايش أكثر من 200 جنسية بسلام واحترام.
أيضا تعاونت سفارة الإمارات مع البرلمان التشيلي وعدد من البلديات لتنظيم فعاليات إنسانية وثقافية في مختلف مناطق تشيلي، تهدف لدعم وتسليط الضوء على العديد من المجالات ذات الأهمية العالية لكلا البلدين، مثل تمكين المرأة وتعزيز دورها الأساسي في المجتمع، ودعم الفنانين المحليين وتعزيز مشاركتهم في المعارض الدولية التي تقام في الإمارات، وسباقات الخيول، ودعم شركات الإطفاء ومؤسسات الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق التبرعات والفعاليات الثقافية.
أيضا تحرص سفارة الإمارات في تشيلي خلال الاحتفالات بالمناسبات الوطنية الإماراتية على إبراز الطابع الثقافي والتراثي.
ويتم الاحتفال عادة بعيد الاتحاد في جو إماراتي جميل يمزج بين الطابع التراثي الأصيل لدولة الإمارات مع إبراز ما وصلت إليه من تقدم حضاري وما تتمتع به من حداثة ومقومات جعلتها في مصاف دول العالم المتقدم .
أيضا يتصدر التعاون الثقافي حيزا هاما من الزيارات الرسمية المتبادلة.
ظهر ذلك جليا في الزيارة الأعلى مستوى في تاريخ العلاقات بين البلدين، الذي أجراها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إلى العاصمة الشيلية سانتياغو في أبريل/ نيسان 2014، والذي أجرى خلالها مباحثات مع ميشيل باتشيليه رئيسة جمهورية شيلي آنذاك.
وتم خلال تلك الزيارة التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين خاصة في العلاقات الثقافية وتعزيز التبادل الثقافي بين الحكومتين والتعاون في هذا المجال مع تأكيد أهمية تطوير وسائل الحوار بين مختلف الثقافات الدولية والمساهمة في بناء جسور التواصل الثقافي بين الشعوب من أجل السلام والتعايش والاستقرار.
وحرص الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال تلك الزيارة على زيارة مبنى مؤسسة المركز الثقافي التشيلي في العاصمة سانتياغو.
وأكد خلال الزيارة أهمية دور الثقافة في تحقيق التناغم والتقارب بين حضارات العالم واختصار المسافات بين دولها، معتبرا أن الثقافة ركن أساسي وفاعل في منظومة العلاقات الدولية عموما والعلاقات الثنائية بين دولة ودولة.
دعم صمود المرأة
على صعيد ذي صلة، أكد باتريسيو دياز بروتون سفير دولة تشيلي في الإمارات في تصريحات سابقة على القيم المشتركة التي تتقاسمها دولة الإمارات وتشيلي وفي مقدمتها الانفتاح على العالم وتمكين المرأة معتبرا أن هذه القيم تعد أرضية صلبة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين.
تجسيدا لتلك القيم المشتركة، تأتي زيارة رئيس تشيلي إلى دولة الإمارات بعد 5 شهور فقط، من تكريم نيلي ليون كوريا، الرئيس والمؤسس المشارك لمنظمة مؤسسة المرأة الصامدة الغير حكومية في دولة تشيلي، بجائزة زايد للأخوة الإنسانية في دورتها الخامسة لعام 2024.
تكريم الفائزين بجائزة زايد للأخوة الإنسانية فبراير / شباط الماضي جاء تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وشهده الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، تزامنا مع الاحتفال باليوم الدولي للأخوة الإنسانية الذي أقرته الأمم المتحدة بإجماع أعضائها احتفاء بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي في 4 فبراير/ شباط 2019.
وتحرص الجائزة على تكريم الأفراد والمؤسسات من بقاع مختلفة من العالم، الذين يعملون على تعزيز التضامن والنزاهة والعدالة والتفاؤل على الصعيدين المحلي والدولي، ويسعون إلى تحقيق اختراق نحو التعايش السلمي.
وجرى اختيار الأخت نيلي كوريا -المعروفة باسم "الأم نيللي"- تقديراً لعملها في دعم النساء في السجون والنساء المفرج عنهن مؤخراً، وإعادة إدماجهن مرة أخرى في مجتمعاتهن كأعضاء منتجين، وذلك من خلال مؤسستها.
وتنطلق أعمال المؤسسة من منظور الأخوة الإنسانية، حيث تدير مأوى مؤقتاً للسجينات اللاتي ليس لديهن مكان يذهبن إليه عندما يتم إطلاق سراحهن.
تتويج إماراتي يعزز جهود الأخوة الإنسانية والتسامح ويدعم صمود المرأة في تشيلي.
العمل المناخي
أيضا تحمل زيارة رئيس تشيلي غابرييل بوريك فونت، إلى الإمارات، ولقائه مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات أهمية خاصة، لتعاون البلدين في مواجهة أكبر تحد يواجه البشرية حاليا وهو تغير المناخ.
وسبق أن شارك الزعيمين في "منتدى الاقتصادات الرئيسية" الخاص بالطاقة وتغير المناخ -الذي عقد بن بعد- بدعوة من جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في دورتيه يوم 17 يونيو / حزيران 2022 ، و20 أبريل/ نيسان 2023.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلالهما الارتباط الوثيق بين التنمية الاقتصادية المستدامة والعمل المناخي وضرورتهما لضمان جودة حياةٍ أفضل للبشر.
وبين أن دولة الإمارات وضعت العمل المناخي في صميم استراتيجيتها الهادفة إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام بالتزامن مع الالتزام بمسؤوليتها تجاه البيئة والأجيال القادمة.
وشدد على أن دولة الإمارات تنظر إلى العمل المناخي كونه فرصة لدفع مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية نحو آفاق جديدة، بالتركيز على حلول عملية يمكن لجميع الدول الاستفادة منها، مؤكداً أن الإمارات ماضية في التزامها شريكاً فاعلاً للمجتمع الدولي في جهود العمل المناخي.
أيضا شاركت تشيلي، في قمة COP28 للعمل المناخي الوطني التي استضافتها الإمارات ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكانت تشيلي مع الإمارات من بين الموقعين على مبادرة "التحالف من أجل الشراكات متعددة المستويات عالية الطموح" التي أطلقتها رئاسة المؤتمر.
وتوفر المبادرة آلية لجمع أفضل الأفكار الخاصة بالعمل المناخي على المستوى المحلي، وتهدف أن تكون الجولة القادمة من وضع الأهداف المناخية الوطنية أكثر طموحاً واحتواءً للجميع.
أيضا يتبنى البلدان مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة كمنهجية لمكافحة التغيرات المناخية، حيث تخطط دولة الإمارات لتوليد معظم احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، فيما نجحت تشيلي في إنتاج أكثر من 46% من الطاقة من مصادر متجددة وتعمل على زيادتها إلى 70% بحلول العام 2050.
مواجهة كورونا
أيضا على صعيد مواجهة التحديات المشتركة، يستذكر مواطنو تشيلي مع الزيارة التاريخية لرئيس بلادهم للإمارات بامتنان وتقدير الدور الإماراتي الرائد لدعم بلادهم خلال جائحة كورونا.
وكانت دولة الإمارات قد أرسلت في يونيو/حزيران 2020 طائرة مساعدات تحتوي على نحو 9 أطنان من الإمدادات الطبية إلى تشيلي لدعمها في الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، في إطار جهود الإمارات آنذاك لمساعدة مختلف دول العالم لاحتواء انتشار فيروس "كوفيد-19".
وأعربت تشيلي عن شكرها وتقديرها لدولة الإمارات على تلك المساعدات.
التعاون الأكاديمي
على صعيد التعاون الأكاديمي، شارك باحثون من تشيلي في برنامج التدريب البحثي التي أطلقتها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والمخصص للطلاب الجامعيين المتميزين، ويهدف إلى تطوير معارفهم ومهاراتهم في البحث العملي في مجال الذكاء الاصطناعي.
ونظراً لسمعة الجامعة المتنامية بصفتها مركزاً عالمياً رائداً للأبحاث النوعية في مجال الذكاء الاصطناعي يقوم بنشر أوراق بحثية في أبرز المؤتمرات العالمية، جذب هذا البرنامج التدريبي مشاركين من دول عدة.
والتحق بالبرنامج العديد من الباحثين الطموحين من جامعات عالمية رائدة في علم الحاسوب من بينها الجامعة البابوية الكاثوليكية في تشيلي.
ويتواصل التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة، والذي يتوقع أن يتجه إلى آفاق أرحب مع زيارة رئيس تشيلي للإمارات والقمة التاريخية التي ستجمعه مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
aXA6IDE4LjIyNi45My4xMzgg
جزيرة ام اند امز