يظن الكثيرون أن الجهود الإماراتية لمواجهة التأثيرات الكارثية للتغيرات المناخية في العالم، ارتبطت فقط باستضافة الإمارات لـCOP28، وذلك تأثرا بحالة الزخم المصاحبة لاستضافة المؤتمر العالمي.
لكن الحقيقة أن الجهود الإماراتية لمعالجة التداعيات السلبية للتغير المناخي في العالم كانت قبل استضافة دولة الإمارات للدورة الـ28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28"، والمقررة خلال العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، بسنوات عديدة.
صحيح أنه مع اهتمام وسائل الإعلام المختلفة بقضايا البيئة، زادت المساحة الإعلامية لقضايا المناخ، ولاسيما تلك المتعلقة بأجندة المؤتمر الدولي الذي تستضيفه دولة الإمارات، وزادت حالة الوعي العام بقضايا البيئة، لكن الاهتمام الإماراتي نفسه بقضايا المناخ، بل والجهد المبذول في هذا الصدد ليس وليد اليوم ولا حتى البارحة، وبالطبع هو غير مرتبط أيضا بجهود أبوظبي لمواجهة التغيرات المناخية.
ولعل أحد أبرز الأدلة على ذلك، الجهد الإماراتي الكبير، لإنقاذ الحاجز المرجاني، في جنوب ولاية فلوريدا الأمريكية، وإنه لأمر لو تعلمون عظيم، فذلك الحاجز المرجاني، الذي يمتد لحوالي 350 كيلومترا، أمام سواحل فلوريدا المطلة على المحيط الأطلنطي وخليج المكسيك، كان يشكل أهم حائط صد طبيعي أمام الأعاصير المدمرة، التي عادة ما تضرب المنطقة خلال شهور الصيف أثناء موسم الأعاصير الأطلنطية، وتعرض لتدمير شديد تأثرا بالطقس المتطرف وارتفاع درجات حرارة مياه المحيط، لكن أكبر ضربة تعرض لها حاجز فلوريدا المرجاني كانت في 2017 عندما ضرب إعصار "إيرما" المدمر ولاية الشمس المشرقة.
والدعم الإماراتي لإعادة بناء حاجز فلوريدا المرجاني، كان حاسما، كما أكد لنا عدد من الأمريكيين المحليين، هنا في جنوب ولاية فلوريدا، فالحاجز المرجاني الذي أصابه الكثير من التدمير لدرجة أنه لم يكن يتبقى منه سوى حوالي 2٪ من الشعاب المرجانية الجيدة، الآن بفضل الدعم الإماراتي يتم العمل على ترميم الشعاب المرجانية قبالة سواحل فلوريدا لمسافة تمتد لنحو 100 ميل (١٦٠ كيلومترا)، ومن جنوب الأطلنطي حتى شمال خليج المكسيك، والعمل مستمر لخمس سنوات مقبلة.
وتعد قصة إنقاذ حاجز فلوريدا المرجاني، أحد أبرز الأدلة الساطعة على أن الاهتمام الأصيل بقضايا المناخ، كان ولايزال جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية الإماراتية، ربما زادت الجهود مؤخرا لزيادة التحديات، وبينما تتبنى الإمارات نهجًا شاملاً في التصدي لتغير المناخ، حيث تعزز السلوك البيئي المستدام وتدعم استخدام الطاقة المتجددة وتعزز الابتكار في مجال التكنولوجيا النظيفة، وتعتبر استراتيجية دولة الإمارات للتنمية المستدامة 2021-2030 رؤية استباقية تهدف إلى تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
وهنا على ساحل الأطلنطي لولاية فلوريدا، يأتي حاجز فلوريدا المرجاني كقصة نجاح أخرى للتعاون الدولي بين دولة الإمارات والمنظمات المحلية في ولاية فلوريدا، لإنقاذ رئة الأطلنطي، فحاجز الشعاب المرجانية، بالإضافة إلى فائدته الكبيرة في حماية سواحل فلوريدا المنبسطة تماما، أمام أي موجات عاتية تكون مصاحبة للأعاصير الأطلنطية المتطرفة، يشكل الحاجز موطنا لأهم البيئات البحرية تنوعا، ربما الأكبر على هذا الكوكب، كما أنه يلعب دورا كبيرا لامتصاص الكربون في المحيط الأطلنطي، وإخراج الأكسجين اللازم للأحياء البحرية.
وبالإضافة إلى هذا وذاك، يلعب الحاجز دورا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا لكل المجتمعات المحلية بالمنطقة، حيث يشكل الحاجز منطقة جذب سياحية سواء للسياحة المحلية من الولايات المتحدة أو حتى من خارجها.
وقالت لي سارة فانغمان، المشرفة على محمية فلوريدا كيز البحرية الوطنية، الواقعة في جنوب ولاية فلوريدا الأمريكية، إحدى المنظمات المحلية الشريكة للجهود الإماراتية في إنقاذ الحاجز المرجاني، إنه في أعقاب إعصار إيرما والذي تسبب في الكثير من الدمار، في كل أنحاء فلوريدا، كان تأثير الإعصار على فلوريدا كيز والحاجز المرجاني مروعا، ووقتها طلب الحاكم ريك سكوت، مساعدة السفير الإماراتي في واشنطن، السفير يوسف العتيبة، والذي تعهد بدعم شعب فلوريدا بنحو 10 ملايين دولار، بينما تم تخصيص 3.5 مليون دولار منها، لدعم سكان مقاطعة مونرو، حيث توجد جزر فلوريدا كيز، وتم تخصيص جزء من هذا التبرع لمساعدة الشعاب المرجانية، بدءًا من عام 2017 حتى الآن.
وبنبرة صوت هادئة تشير إلى الامتنان والتقدير، قالت لي فانغمان: "إن المجتمع المحلي في فلوريدا كيز، كان على ركبته حقا، في أعقاب إعصار إيرما، الذي سبب دمارا لا يمكن لك أن تتخيله للمنطقة، لكن الدعم الإماراتي جاء بعد الإعصار لكي يعطينا الأمل مرة أخرى في إعادة البناء والنهوض مجددا، لقد كان إعصار إيرما مأساة قاسية لنا في فلوريدا، لكنه أتى بشراكة مهمة حقًا مع أصدقائنا الإماراتيين".
وبطبيعة الحال، فإن قضية التغيرات المناخية، لا تعتبر قضية محلية، كونها مشكلة عالمية، فلا توجد دولة ولا منظمة تستطيع بمفردها مواجهة التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ففي نهاية الأمر حاجز فلوريدا المرجاني لا يمثل أهمية لولاية فلوريدا أو حتى للولايات المتحدة الأمريكية فحسب، إنما للعالم أجمع، بما يمثله من أهمية بالغة للتنوع البيولوجي والتوازن البيئي في المحيط الأطلنطي بكامله، بل وأيضا في مواجهة التغيرات المناخية.
فكما يقول علماء المحيطات عن حاجز فلوريدا المرجاني، الذي يعد من أكبر حواجز عزل الكربون في الأطلنطي، وحماية السواحل من الأمواج العاتية والأعاصير، وحفظ التنوع البيولوجي، وإنتاج الأكسجين، تعد الشعاب المرجانية في الحاجز أصولًا اقتصادية قيّمة للمجتمعات الساحلية، كما تدعم السياحة وصيد الأسماك، مما يجعلها من مصادر الأمن الغذائي أيضا للمجتمعات المحلية، وبينما تعد التغيرات المناخية في حد ذاتها تهديدًا لحاجز فلوريدا المرجاني، من ارتفاع درجات حرارة المحيط، وتحمض المحيطات.
ولذلك فإن الحفاظ على الشعاب المرجانية واستعادتها في حاجز فلوريدا ليس أمرًا حيويًا فقط لمساهمتها في التخفيف من تداعيات تغير المناخ ولكن أيضًا من أجل بقائها في مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية، أو كما يطلق عليه من الخبراء والمتخصصون بشكل مختصر(يشكل حاجز فلوريدا المرجاني خط أمامي للمعركة مع التغيرات المناخية).
والخلاصة، تعد التغيرات المناخية من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، وتشكل تهديدًا حقيقيًا للبشرية والبيئة، وفي هذا الإطار، تعمل دولة الإمارات بنشاط على التصدي لتلك التحديات والحد من تأثيرها السلبي سواء كان ذلك في الإمارات مع التعهد التاريخي بصافي انبعاثات صفر من الكربون بحلول عام 2050، أو هنا على الضفة الأخرى من العالم، على الخطوط الأمامية لمواجهة التغيرات المناخية قبالة سواحل فلوريدا على الأطلنطي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة