جهود الإمارات لحل الأزمة الأوكرانية.. مبادرة جديدة ورسائل عديدة
رسائل مهمة ودلالات عدة حملتها الوساطة الإماراتية لتبادل الأسرى بين موسكو وكييف واستئناف صادرات الأمونيا الروسية عبر أوكرانيا.
وساطة تعد أحدث حلقة في جهود دولة الإمارات المتواصلة للدفع بحل سلمي مستدام للأزمة الروسية الأوكرانية.
تفاصيل الوساطة
وقالت مصادر مطلعة لوكالة رويترز إن ممثلين من روسيا وأوكرانيا اجتمعوا في دولة الإمارات الأسبوع الماضي، لمناقشة ملفات معينة.
وناقش الاجتماع، وفق المصدر ذاته، إمكانية تبادل أسرى الحرب، وهو الملف الذي قد يرتبط أيضا باستئناف صادرات الأمونيا الروسية إلى آسيا وأفريقيا عبر خط أنابيب أوكراني.
وذكرت المصادر -التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها- أن المحادثات جرت بوساطة إماراتية ولا تشمل الأمم المتحدة التي تلعب دورا في التفاوض على المبادرة الحالية لتصدير المنتجات الزراعية من ثلاثة موانئ أوكرانية على البحر الأسود.
وأوضحت المصادر أن ممثلي روسيا وأوكرانيا توجهوا للعاصمة الإماراتية أبوظبي في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث بحثوا السماح لروسيا باستئناف صادرات الأمونيا مقابل تبادل للأسرى من شأنه أن يطلق سراح عدد كبير من الأسرى الأوكرانيين والروس.
مبادرة إماراتية جديدة لحلحلة الأزمة تكشف عن رسائل ودلائل عدة:
جهود متواصلة
أول تلك الدلائل: تعكس تلك المبادرة سعي الإمارات الحثيث والمتواصل للدفع بحل سلمي للأزمة الروسية الأوكرانية.
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية يقود الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وعلى أكثر من صعيد، جهودا للدفع بحل سلمي ينهي الأزمة.
ضمن أحدث تلك الجهود وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال كلمته في مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ”COP27" في مدينة شرم الشيخ المصرية الإثنين 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري نداء سلام لوقف الحرب، مؤكدا دعمه للسلام والحوار بين البلدين.
نداء يؤكد حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على مواصلة جهوده لإنهاء تلك الأزمة، التي تقض مضاجع العالم.
جهود وصلت لمرحلة مهمة بعد إجراء رئيس الإمارات مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لروسيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومباحثات هاتفية مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي يوم 17 من الشهر نفسه، وترحيب الزعيمين بوساطة دولة الإمارات لإنهاء الأزمة.
جهود الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ومتابعته الحثيثة لحل الأزمة، وجدت صدى إيجابيًا لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي أشاد بموقف الإمارات ووساطتها، مؤكدًا أن بلاده تقدر هذه الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات، وأن موسكو مهتمة باستمرارية جهود الوساطة الإماراتية.
وأثمرت تلك الجهود خطوة مهمة بجمع الطرفين في أبوظبي عاصمة السلام للحوار لبحث تبادل الأسرى.
خارطة طريق إماراتية
ثاني تلك الدلائل لتلك المبادرة: حرص الإمارات على تنفيذ رؤيتها بشأن حل لتلك الأزمة التي تعد خارطة طريق دبلوماسية شاملة لحلها، وذلك عبر الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة بين الجانبين من خلال جمع الطرفين على طاولة واحدة، وهو الأمر الذي من شأنه تشجيع الحوار بينهم لحلحلة الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية برعاية ووساطة الإمارات.
تلك الرؤية الإماراتية الشاملة لحل الأزمة، ترتكز على محاور عدة، بينها إطار عام، وآليات محددة، وإجراءات لخفض التصعيد، والتعبير عن حسن النوايا.
الإطار العام لتلك الرؤية، أكد عليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الرئيس الروسي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قائلا إن دولة الإمارات تسعى إلى تعزيز أسس السلام والاستقرار في العالم والعمل على خفض التوترات وإيجاد الحلول الدبلوماسية للأزمات التي يشهدها، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية.
أما آليات تحقيق ذلك، فترى دولة الإمارات أنه لا مناص عن الحوار والتفاوض بين أطراف الأزمة كطريق لحلحلة الوضع الراهن، مع تسخير إمكانياتها للدفع بهذا الحوار.
تلك الرؤية أعادت الإمارات التأكيد عليها مجددا في بيان أصدرته لانا نسيبة مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي للشؤون السياسية اليوم الخميس.
وأكد البيان أن الإمارات دعت منذ بداية الأزمة إلى وقف التصعيد والبدء في الحوار، وقامت بدعم جميع المبادرات الدبلوماسية في هذا الصدد.
وتؤمن الإمارات العربية المتحدة إيماناً راسخاً -بحسب البيان- بأن الدبلوماسية لا تزال هي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، وتشارك المجتمع الدولي مخاوفه العميقة بشأن تداعيات الوضع الحالي على المدنيين داخل أوكرانيا وخارجها، وعلى السلم والأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتأتي الجهود الإماراتية الأخيرة لتؤكد الإمارات عدم ادخارها أي جهد في تحديد ومتابعة المسارات التي تؤدي إلى حل سلمي وسريع للأزمات .
وأكد البيان أنه "تبقى دولة الإمارات ملتزمة التزاما تاما بتقديم المساعدة على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وتشجيع الحوار، ودعم الدبلوماسية، والمساهمة بجميع الأدوات المتاحة لنا لتخفيف المعاناة، وإيجاد حل سلمي ومستدام يعزز السلام والأمن الدوليين، ويضع حدا للأثر الإنساني لهذا النزاع على المدنيين".
ذكاء وحكمة
ثالث تلك الدلائل: ذكاء وحكمة الوساطة الإماراتية في البحث عن حل سلمي مستدام عبر إعادة استئناف التعاون الاقتصادي بين البلدين عبر باستئناف صادرات الأمونيا الروسية التي تستخدم في صناعة الأسمدة إلى آسيا وأفريقيا عبر خط أنابيب أوكراني.
ولا شك أن ربط المسار الاقتصادي بالمسار السياسي والإنساني من شأنه تحقيق فوائد سريعة ومستدامة.
الطابع الإنساني
رابع تلك الدلائل يتعلق بحرص الإمارات على وضع حد لمختلف التداعيات الإنسانية لتلك الأزمة، عبر الدفع قدما بملف تبادل الأسرى لما يتضمنه من أهمية سياسية وإنسانية للجانبين.
ولم يكن الصعيد الإنساني بعيدًا عن دولة الإمارات "الرائدة" في هذا المجال، فهي التي أقامت منذ مارس/آذار الماضي، بعد قليل من اندلاع الأزمة الأوكرانية، جسرا جويا إغاثيا، للمساهمة في تلبية الاحتياجات الإنسانية للاجئين والنازحين الأوكرانيين في بولندا ومولدوفا وبلغاريا.
وقبل شهر، أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتقديم مساعدات إغاثية إنسانية إضافية بقيمة 100 مليون دولار أمريكي إلى المدنيين الأوكرانيين المتضررين من الأزمة في أوكرانيا.
وفي 30 يونيو/ حزيران الماضي، أرسلت دولة الإمارات طائرة تحمل 52 طناً من الإمدادات الغذائية لدعم اللاجئين الأوكرانيين في جمهورية بلغاريا.
جاء ذلك بعد أسبوعين من إرسالها طائرة تحمل على متنها 27 طنا من الإمدادات الغذائية والطبية لدعم اللاجئين الأوكرانيين في بولندا 17 يونيو/حزيران من الشهر نفسه.
وقبل ذلك قامت الإمارات بإرسال 6 طائرات إلى بولندا ومولدوفا، تحمل على متنها 156 طنا من المساعدات الغذائية والطبية وسيارات الإسعاف، وذلك ضمن إعلانها عن تبرع بقيمة 18.3 مليون درهم (5 ملايين دولار أمريكي) استجابة لنداء الأمم المتحدة العاجل، وخطة الاستجابة الإقليمية للاجئي أوكرانيا.
كما قامت المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي وبالتعاون مع المنظمات الدولية في المدينة بإرسال 124 طنا تشمل إمدادات إغاثية ومعدات الإيواء.
مساعدات ترسّخ بها دولة الإمارات مكانتها كعاصمة للإنسانية سبّاقة في مد يد العون لمساندة كافة شعوب العالم، والوقوف إلى جانبها في تخطي أزماتها الإنسانية، والتخفيف من حدة معاناتها.
آمال كبيرة
ورغم تعقيد الأزمة وإطالة أمدها، فإن العالم يعول على جهود الإمارات للإسهام في حلحلة الأزمة.
وتعد فرص نجاح دولة الإمارات في إنهاء الأزمة دبلوماسيا كبيرة، لأكثر من سبب من أبرزها امتلاك الدولة تاريخا حافلا في نشر السلام وترسيخ الاستقرار حول العالم، زودها بخبرات كبيرة تؤهلها للتدخل والوساطة.
يعزز ذلك موقف دولة الإمارات المتزن والمتوازن من الأزمة، وعلاقتها القوية بطرفي الأزمة (روسيا وأوكرانيا)، وسعيها للدفع بحل عقلاني واقعي سلمي.