العلاقات المصرية الإماراتية تمضي حاليا وسط سياق مفعم بالمحفزات والمخاطر، والمطامح والمطامع، محاولة أن تعزز ما تم التوافق عليه.
تمضي العلاقات المصرية الإماراتية حاليا وسط سياق مفعم بالمحفزات والمخاطر، والمطامح والمطامع، محاولة أن تعزز ما تم التوافق عليه، وتواجه دعايات وشكايات لا يتوقف أصحابها عن بثها في أذهان ونفوس ومخيلات الجمهور العربي؛ إذ إن هؤلاء لا يروق لهم بالطبع حرص قيادتي البلدين على تجاوز أي عقبات وعراقيل، أو مزالق، من شأنها أن تنال من تفاهم وتنسيق يترسخ في ملفات عدة، مدفوعا بمصالح جلية، موزعة على مسارات اقتصادية وأمنية وسياسية، تعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لأبوظبي تعبيرا عن جانب كبير منها.
تحليل التصريحات الرسمية في مصر والإمارات على مدار السنوات الأخيرة، يبين أن قيادتي البلدين تحركتا لقطع الطريق على هذه الجماعات في استغلال حركة الناس من أجل الحرية والعدل والكفاية لتحقيق أهدافها الخاصة
والملف الأول، الذي يُستشف من التعبير والتدبير المشترك، هو السعي إلى الإبقاء على "كتلة عربية فاعلة" بعد أن تآكل العالم العربي من أطرافه قبل ربع قرن، وماج على مدار عقد من الزمن بفعل انتفاضات وثورات رمت إلى قيام دولة مدنية وطنية حديثة، تستند فيها الشرعية على رضاء الشعب وإرادته، والإنجاز به ومعه وله، لكن الجماعات والتنظيمات المتشددة أخذت الحركة في اتجاه آخر. وعند الحد الأدنى، فإن بقاء دول عربية متماسكة وماضية في طريق الإصلاح والتحديث كي تتفادى انفجارات اجتماعية جديدة، هو الضمان لفاعلية هذه الكتلة، وقدرتها على الاستمرار.
وهنا يأتي الملف الثاني، الذي يحظى بتنسيق شديد بين البلدين، وهو التصدي لأفكار وتصورات وتحركات الجماعات والتنظيمات الدينية التي توظف الإسلام، أو تتخذ منه أيديولوجية، بغية تحصيل السلطة السياسية، وجني الثروة الاقتصادية، وكسب المكانة الاجتماعية، على حساب دور الدين في ملء الطاقة الروحية، وتحقيق السمو الأخلاقي والنفع والخيرية أو الصالح المشترك. وتحليل التصريحات الرسمية في مصر والإمارات على مدار السنوات الأخيرة، يبين أن قيادتي البلدين تحركتا لقطع الطريق على هذه الجماعات في استغلال حركة الناس من أجل الحرية والعدل والكفاية لتحقيق أهدافها الخاصة، النابعة من أفكار لا تدفع بالضرورة إلى الأمام، مثلما تريد الشعوب، إنما تشد إلى الخلف؛ لأنها تسعى إلى تطبيق أفكار ولدت في سياق تاريخي تم تجاوزه، وليس بوسعها أن تصنع دولة حديثة يدعو إليها التيار المدني الذي لا يزال مشتتا ومحاصرا.
وتدعو قيادتا البلدين إلى "تجديد الخطاب الديني" وتحركتا بالفعل في هذا الاتجاه وذهبتا بعيدا، وهذا ما يعده "الإسلام السياسي" وفي مطلعه "جماعة الإخوان" سلوكا مضادا له.
وهنا يظهر الملف الثالث في العلاقات المصرية الإماراتية؛ فالجماعات والتنظيمات الدينية المُسيسة، لم تعد تمتلك قرارها، في الغالب الأعم، وسيقت، راغبة أو مضطرة، إلى أن تكون مجرد "جماعة وظيفية" يتم استغلالها في صراع أو تنافس إقليمي حاد، تقع مصر والإمارات في طرف يواجه طرفا آخر تقوده تركيا. وتجد قيادتا مصر والإمارات أن هناك ضرورة لخوض هذا الصراع، ليس تصديا لأطماع يجسدها تصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فحسب، بل لإنهاء قدرة جماعة "الإخوان" على المناكفة والمنازعة، سواء عبر الإعلام الذي ينطلق من إسطنبول والنشاط المفرط على مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، أو انزلاقها إلى الإرهاب عبر جناحها العنيف "حسم"، أو تقديمها غطاء إعلاميا وسياسيا لتنظيمات تكفيرية تقوم بعمليات إرهابية في مصر، وتهدد الإمارات.
وفي هذا الإطار يأتي ملف آخر يتعلق بتنسيق أمني وعسكري بين البلدين، يترجمه تبادل المعلومات، وإعداد الخطط، والقيام بمناورات عسكرية مشتركة، وهو أداء يدور في ركاب رؤية سياسية تتمتع بقدر من التناغم والتفاهم حيال العلاقات مع القوى العالمية الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا والصين) وقضية أمن الخليج.
وأخيرا يأتي الملف الاقتصادي؛ فمصر تفتح بابا واسعا أمام استثمارات في قطاع العقارات، الذي توليه حاليا اهتماما مفرطا؛ الأمر الذي يجذب نظر الإمارات التي يشكل هذا القطاع ثلثي النشاط الاقتصادي فيها، حسب إحصاءات أخيرة.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة