يمكن القطع بأن خيمة العلاقات المصرية الإماراتية أعمدتها أقوى من هبوب الرياح، وبها مرتكزات استراتيجية يتذكرها المرء بكل فخر
حين يتوجه الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فإن الفعل هنا يتجاوز فعل الزيارة البروتوكولية، أو الرحلات التقليدية، فما بين مصر والإمارات أكبر وأعمق بكثير، ذلك أننا إزاء شراكة استراتيجية بدأت منذ عقود طوال ومع إعلان الاتحاد الإماراتي، ومضت بقوة ومودة حتى الساعة.
تبقى الملفات المشتركة بين البلدين واضحة للعيان، ففي الشرق هناك إيران المهدد الأول لاستقرار دول الخليج وأوهامها في إمبراطورية شاهنشاهية، محدثة بمسحة أصولية حتى تنطلي على الغافلين أكذوبتها، ناهيك عن سوريا ومأزقها، وتركيا وأطماعها التي لا تتوقف في أراضي العرب ومصائرهميكمل الرئيس عبدالفتاح السيسي مساقات الأمل والعمل التي بدأت بين القاهرة وأبوظبي في زمن مؤسس الإمارات وباني نهضتها الحديثة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الاسم المحبب قولا وفعلا ومن الأعماق على قلوب كل المصريين.
يمكن القطع بأن خيمة العلاقات المصرية الإماراتية أعمدتها أقوى من هبوب الرياح، وبها مرتكزات استراتيجية يتذكرها المرء بكل فخر:
بداية من عند موقف زايد الخير رحمه الله من مصر الكنانة التي ظلت عزيزة وغالية على قلبه حتى رحيله عن هذه الفانية، وقد تجلت تلك المشاعر في حرب أكتوبر من عام 1973، حين اعتبر الأب الكبير للإماراتيين والمصريين على حد سواء أن "النفط ليس أغلى من الدم العربي"، ولم يكن دعمه لمصر عبر المال فقط، على أهميته كوقود للمعركة، والجيوش تمشي على بطونها كما قال نابليون بونابرت ذات مرة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما شدد على أنه "عندما تفتح أفواه المدافع سوف نغلق على الفور صنابير النفط، ولن نكون بعيدين عن المعركة".
فيما المشهد الآخر الذي لا يمحى من ذاكرة المصريين، ذاك المتعلق بموقف الإمارات من الذين زايدوا على مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، وما عرف وقتها بجبهة دول الرفض، ولا يزال التاريخ يذكر لزايد الخير قوله "لا وجود للعرب بدون مصر ولا موضع لمصر خارج إطار العروبة"، وقد كان سبّاقا في الدعوة إلى إعادة مصر إلى إطارها العروبي الطبيعي.
ضمن مسارات الذكريات الاستراتيجية، إن جاز التعبير، ما أشار إليه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن مودته وتنسيقه مع الشيخ زايد رحمه الله، لا سيما في الأوقات الصعبة مثل تلك التي جرت بها المقادير في أوائل تسعينيات القرن الماضي، حين قام صدام حسين بغزو الكويت، ويومها طار الراحل الكبير للتنسيق مع مصر، وفي طريق عودته صمم رئيس مصر وقتها أن يعود الضيف الكبير إلى بلاده محمولا بكل ترحاب على أجنحة طائرة الرئاسة المصرية، خوفا من أي تصرف غير متوقع أو مدروس من الرئيس العراقي.
بل أكثر من ذلك، وهذا ما لم نكن نعرفه حتى وقت قريب، أن الرئيس الأسبق حسني مبارك لبّى طلبا مباشرا من زايد الخير رحمه الله، بإرسال لواء كامل من القوات المصرية الخاصة المعروفة باسم الصاعقة لحماية آبار النفط الإماراتية.
إنها إذاً شراكة دم ومسؤولية وعمل متواصل بين البلدين، لم تتوقف طالما جرت في العروق الدماء، وكان من الطبيعي أن تمتد المودات إلى الأجيال اللاحقة، بين القيادة المصرية الجديدة التي حملت راية الخلاص من الظلاميين، وعيال زايد صناع التنوير، في دولة أضحت رسالة بالمعنى الأدبي الخلاق بأكثر منها دولة بمواصفات ويستفالية حديثة.
بغير تطويل ممل يمكن القطع بأن انتفاضة المصريين بقيادة السيسي على الجماعة الظلامية التي استولت في غفلة من الزمان على حكم مصر، أنهت إلى غير رجعة أحلاما أو بالأصح أوهام الطابور الخامس في إحكام قبضته على العالم العربي برمته من شرقه إلى غربه، الأمر الذي دعمته وزخمته قوى رجعية عرفت طوال تاريخها بأنها لا تحمل للعرب ودا، ولا تأبه لمسيرتهم عبر دروب الحياة.
في الوقت عينه، كانت الإمارات تتجلى في الآفاق، وكما العهد منذ زمن زايد الخير، كدولة شقيقة بكل ما تملك أدبيا وماديا للوقوف صفا بجانب الشقيقة الكبرى بدون شوفينية، وإنما عبر تحملها تلك المسؤولية الجسيمة، مسؤولية إزاحة الخطر الذي كان مختبئا كخلايا المرض الخبيث تحت الجلد العربي في دول المنطقة كافة.
أكثر من ست سنوات جرت فيها مياه كثيرة بين مصر والإمارات، مياه شهد لها القاصي والداني بأنها صافية رقراقة، مكنت البلدين من التطلع إلى الأمام، وتعميق التعاون التكيتيكي والاستراتيجي معا، لا سيما في ظل منطقة ومن أسف مصابة قدريا بحالة من عدم الاستقرار، لا يعلم إلا الله وحده إلى أين ستمضي وأين مستقرها.
لا شك أن وصول الرئيس السيسي لأرض الإمارات يؤكد أن التخطيط المستمر والمستقر بين الدولتين قد أضحى ديدنا محمودا، وزيارات سمو الشيخ محمد بن زايد إلى مصر تعطي الانطباع ذاته كلما حل على أرض الكنانة، وما بين المشهدين يخرج المحلل السياسي المحقق والمدقق بحقيقة مؤكدة؛ وهي قناعة الطرفين بأن طرح القضايا المصيرية يبدأ بالفعل من الذات، وليس من خلال الرهان على الآخر، بل الرهان على الحصان هنا يكون من خلال وحدة الرأي والهدف والتوجه، وتاليا تدبر الآليات لمواجهة نوائب الدهر ونوازل الأحداث.
لا تزال المنطقة مشتعلة، بل تزداد اشتعالا، لا سيما أن العالم برمته في حالة تغير وتحرك جيوسياسي، وما يجري بالقرب من الإمارات ومن مصر من أحداث ساخنة يستدعي قراءات استشرافية معمقة وتقديرات موقف توفر على الشعبين الدم والجهد والمال، فدائما ما يكون قطع رأس الأفعى هو الخيار الصائب.
تبقى الملفات المشتركة بين البلدين واضحة للعيان، ففي الشرق هناك إيران المهدد الأول لاستقرار دول الخليج وأوهامها في إمبراطورية شاهنشاهية محدثة بمسحة أصولية حتى تنطلي على الغافلين أكذوبتها، ناهيك عن سوريا ومأزقها، وتركيا وأطماعها التي لا تتوقف في أراضي العرب ومصائرهم.
وفي الغرب لا تزال ليبيا تمثل جرحا ثخينا في الجسد العربي النازف، ولا يزال داعمو الإرهاب يغدقون على جماعات الموت الدعم اللوجستي والمالي، ويبتعثون برجالاتهم لإدارة المعركة على الأرض، الأمر الذي يتطلب تنسيقا للمواقف على أعلى مستوى ممكن.
يطول الحديث عن علاقات مصر والإمارات، غير أنه يمكننا القطع بأنها علاقة تسعى في طريق الأمل لغد أفضل يتم الاستعداد له من اليوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة