الإمارات ومصر.. تعاون متنام لدعم الاستقرار والسلام
وساطة إماراتية نجحت في تأمين سلامة الجنود المصريين في السودان، لتتوج سجل أبوظبي الحافل في جهود نشر السلام وترسيخ الاستقرار حول العالم.
تعاون إماراتي مصري توج أيضا علاقات متنامية بين البلدين لدعم الأمن والاستقرار الدوليين بشكل عام وتنسيق متواصل لدعم التهدئة ووقف التصعيد في السودان ودعم جهود العودة للمسار السياسي.
نجاح إماراتي جديد يرسخ مكانة دولة الإمارات كلاعب أساسي وشريك مهم في إنجاح مبادرات السلام على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك انطلاقا من إرثها الإنساني ورسالتها الحضارية القائمة على إعلاء قيم المحبة والتسامح ونبذ التعصب.
يأتي نجاح تلك الوساطة فيما تتواصل جهود الإمارات على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه لوقف التصعيد في السودان والعمل على إنهاء الأزمة بالحوار.
ولليوم السادس على التوالي، يشهد السودان اشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الخرطوم ومدن أخرى، وتبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوما على مقار تابعة للآخر بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلا منهما.
أيضا يأتي نجاح تلك الوساطة بعد نحو شهرين من نجاح وساطة إماراتية في فبراير/ شباط الماضي أنجزت صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا تم بموجبها، عودة 63 أسير حرب "من الفئة الحساسة" إلى روسيا، مقابل استعادة أوكرانيا 116 أسيرا.
كما يأتي نجاح الوساطة بعد نحو 3 أشهر من استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة، اللقاء التشاوري الأخوي، الذي عُقد في أبوظبي 18 يناير/كانون الثاني الماضي بدعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بمشاركة عدد من قادة دول الخليج ومصر والأردن.
وشكل اللقاء دفعة قوية لجهود عودة العلاقات البحرينية القطرية إلى مسارها الطبيعي بعد اللقاء الذي جمع العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال اللقاء التشاوري الأخوي، بعد إعلانهما قبل أسبوع الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية.
وساطة ناجحة
وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، الخميس، نجاح الوساطة التي قامت بها بالتنسيق والتعاون مع مصر لتأمين سلامة الجنود المصريين الموجودين لدى قوات الدعم السريع، وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم.
والسبت الماضي، بثت قوات "الدعم السريع" مقطع فيديو عبر "تويتر"، يظهر وجود جنود مصريين بحوزتها في مطار مروي شمالي السودان، قبل أن يعلن الجيش المصري أنهم كانوا في تدريب مشترك مع الجيش السوداني وجار تأمين عودتهم.
وأعربت الإمارات ومصر عن تقديرهما للصليب الأحمر الدولي لما بذله من جهود في دعم عملية تأمين سلامة الجنود المصريين.
وذكرت وزارتا الخارجية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية أن هذه الخطوة تأتي في إطار موقف الدولتين الداعم للتهدئة عبر التواصل المستمر مع الأطراف السودانية لضمان ضبط النفس ووقف التصعيد والعودة للمسار السياسي.
وأكدت الوزارتان التزام دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية بمواصلة جهودهما الرامية إلى وقف الاقتتال وحماية المدنيين والمنشآت المدنية.
وشددتا على أهمية تكثيف الجهود الهادفة للعودة للإطار السياسي والحوار لحل جميع الخلافات والمضي قدماً في المرحلة الانتقالية وصولا إلى الاستقرار السياسي والأمني المنشود في السودان .
دعوة مشتركة جديدة للتهدئة ووقف التصعيد والعودة للحوار تتوج حراكا إماراتيا مصريا متسارعا على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه لوقف التصعيد في السودان والعمل على إنهاء الأزمة بالحوار.
وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات قد شدد قبل يومين على أهمية وقف التصعيد وضمان حماية المدنيين وإعلاء المصلحة العليا للسودان والعودة إلى المسار السياسي.
وأكد حرص دولة الإمارات على دعم الشعب السوداني الشقيق بما يحقق تطلعاته في البناء والتنمية.
بدوه، سبق أن أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن استعداد بلاده للوساطة لحل الأزمة في السودان، موضحا أهمية "أن يجلس أطراف النزاع في السودان على طاولة المفاوضات".
وتابع: "نجري اتصالات مع أطراف النزاع في السودان لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات".
ومنذ صباح السبت، يشهد السودان اندلاع اشتباكات بين قوات الجيش و"الدعم السريع" في الخرطوم، حيث تبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوما على مقار تابعة للآخر بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كل منهما.
وتوجت الاشتباكات شهورا من التوترات المتصاعدة بين الجيش السوداني وشريكه "قوات الدعم السريع" الذي تحول إلى خصم نتيجة الخلافات حول عملية دمج قوات الدعم بالجيش.
الإمارات ومصر.. اتفاق وتوافق
توافق إماراتي مصري على وقف التصعيد والعودة للحوار يتوج اتفاق وجهتي نظري البلدين على أهمية حل مختلف الأزمات عبر الحلول الدبلوماسية والحوار.
ولا تكاد تمر فترة قصيرة إلا ويعقد قائدا البلدين قمما واجتماعات ومباحثات لتعزيز التعاون وبحث المستجدات وسبل مواجهة التحديات، وتبادل وجهات النظر حول كيفية دعم قضايا الأمة، حتى باتت شعوب المنطقة والعالم تترقب تلك القمم والاجتماعات وما سيسفر عنها من نتائج تسهم في الخير والازدهار والاستقرار للمنطقة.
أحدث تلك اللقاءات تم خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لمصر في 12 أإبريل/ نيسان الجاري.
آنذاك، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي الحرص المشترك على مواصلة التشاور والتنسيق بين البلدين بشأن كل ما يخدم المصالح المتبادلة للبلدين، ويسهم في تعزيز الاستقرار والأمن والسلام والذي يعد السبيل لتحقيق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة.
وشدد على متانة العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين وما يربطهما من أواصر محبة وثقة واحترام متبادل إلى جانب الاهتمام بالارتقاء بهذه العلاقات إلى آفاق أرحب تلبي تطلعاتهما نحو التنمية والتقدم.
وتعد هذه ثالث زيارة لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لمصر منذ توليه مقاليد الحكم في 14 مايو/أيار الماضي، من بين 44 قمة ولقاء جمعت الزعيمين خلال 9 سنوات، بحسب إحصاء لـ"العين الإخبارية".
وقبيل زيارته الأخيرة لمصر، شارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قمة شرم الشيخ للمناخ "كوب27" نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث أطلقت مصر ودولة الإمارات نداء سلام، لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
نداء سلام مشترك لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية يكشف بشكل جلي حرص قادة دولة الإمارات ومصر على حل سلمي للحرب الروسية الأوكرانية في أسرع وقت.
وتلعب دولة الإمارات ومصر أدوارا مهمة في العديد من الملفات الاستراتيجية في المنطقة، ونجحت بحكمة قيادة الدولتين في تجنيب المنطقة العديد من المحطات التي كان من شأنها الذهاب بها إلى حالة من الفوضى وعدم استقرار، ومن هنا تكتسب مباحثات قادة البلدين أهمية كبيرة.
على الصعيد العربي، يدعم البلدان عودة سوريا للجامعة العربية، بعد أن علّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2011 عضويتها عقب اندلاع أزمتها.
أيضا سبق أن نجحت جهود مصر في التوصل لتهدئة بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة في مايو/أيار 2021، بدعم إماراتي وتأييد عربي ودولي.
ولطالما كانت التطورات في فلسطين محورا دائما على مباحثات القيادات والمسؤولين من البلدين (الإماراتي والمصري)، بحثا عن حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.
وتتوافق الرؤيتان المصرية والإماراتية على أن السلام هو السبيل الوحيد لحل أزمات المنطقة.
على الصعيد الإقليمي، أثمرت دبلوماسية دولة الإمارات الحكيمة عودة العلاقات مع تركيا إلى مسارها الطبيعي، قبل أن تعود إلى مسارها الطبيعي أيضا بين السعودية وتركيا.
وتشهد علاقات مصر وتركيا حاليا تحسنا كبيرا، على طريق تصويب مسار العلاقات بين البلدين.
على الصعيد الدولي، يجمع الإمارات ومصر التعاون والتكامل لمواجهة أكبر تحد يواجه البشرية وهو مكافحة تغير المناخ، حيث استضافت مصر قمة المناخ "كوب 27" نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتستضيف دولة الإمارات القمة المقبلة "كوب 28" نهاية العام الجاري.
مواقف عدة تظهر قوة العلاقات بين دولة الإمارات ومصر وتطابق وجهات نظر البلدين، لمعالجة مختلف قضايا وأزمات المنطقة والعالم، وإيمانهما بضرورة اللجوء إلى الحوار والتفاهم والطرق الدبلوماسية لتسوية النزاعات والأزمات بالوسائل السلمية التي تكفل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
دبلوماسية السلام
ويسجل تاريخ الإنسانية بأحرف من نور إنجازات وجهود دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها لنشر السلام والتسامح وتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم.
من أبرز تلك المبادرات رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لوثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في الإمارات 4 فبراير/ شباط 2019، تلك المبادرة التي تحولت ليوم عالمي يحتفى به دوليا كل عام.
ولا تكاد تمر فترة قليلة، إلا ويحصد العالم ثمار المبادرات الإنسانية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التي تترجم مفهوم الأخوة الإنسانية، كما ينبغي أن يكون.
ومن أبرز مبادرات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أيضا، توصله لاتفاق تاريخي بين الإمارات وإسرائيل، 15 سبتمبر/أيلول عام 2020، وتدخله شخصيا لتخفيف حدة التوتر في عدد من أماكن العالم، كان من أبرزها وساطته لنزع فتيل أطول نزاع في أفريقيا بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو/تموز 2018.
وتشهد المنطقة حاليا جهودا إماراتية متنامية لتعزيز التعاون وتصفير الخلافات، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار.
أيضا أثمرت دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، عن تقدم ملموس على طريق العلاقات بين دولة الإمارات وإيران.
وتتجه السعودية وإيران حاليا إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات تنفيذا لاتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية، الذي توصل له البلدان، برعاية صينية، 10 مارس/آذار الماضي، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت 7 سنوات.
وشهدت العلاقات الإماراتية القطرية نقلة نوعية خلال الفترة الماضية، توجت بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات للدوحة في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للإمارات في 18 يناير/كانون الثاني الماضي للمشاركة في "اللقاء التشاوري الأخوي" الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة بمشاركة عدد من قادة دول الخليج ومصر والأردن.
وأعقب تلك الزيارات واستبقتها زيارات متبادلة لتعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين، كان أحدثها لقاء وفدين رسميين يمثلان دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر في أبوظبي قبل نحو أسبوع، في رابع لقاء يعقده الجانبان لمتابعة "بيان العُلا" الذي صدر عن القمة الخليجية التي استضافتها المملكة العربية السعودية في العام 2021.
وتشهد الفترة الحالية حراكا عربيا لإعادة سوريا لحاضنتها العربية بدأته دولة الإمارات العربية المتحدة باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في مارس/ آذار 2022 و2023.
ضمن أحدث جهود هذا الحراك، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة إلى سوريا الثلاثاء الماضي، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
يأتي هذا فيما تواصل دولة الإمارات جهودها البارزة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين، من خلال عضويتها بمجلس الأمن الدولي على مدار عامي 2022 و2023، وهي جهود يتوقع أن تتعزز وتتزايد خلال الفترة المقبلة حيث تترأس دولة الإمارات المجلس لشهر يونيو/حزيران المقبل، بعد أن ترأسته في مارس/آذار الماضي.