الإمارات ومصر.. شراكة تاريخية وتنسيق استراتيجي
ترتبط مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة بعلاقات وثيقة مبنية على التكاتف والدعم المشترك وقائمة على أساس الشراكة الاستراتيجية ومواجهة التحديات الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وشهدت السنوات الماضية تنسيقا وثيقا بين الإمارات ومصر على الصعيد السياسي، خصوصاً حيال القضايا الرئيسية على الصعيدين العربي والدولي.
وتأتي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، إلى أبوظبي لتعكس عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين.
ويحرص المسؤولون في القاهرة وأبوظبي على الزيارات المتبادلة، فقد جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، أكثر من 25 لقاء.
ويبحث السيسي خلال الزيارة "دعم علاقات التعاون وآخر التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
ووفق محللين فإن الزيارة تأتي لتعزيز التعاون بين الجانبين وكرسالة دعم وتضامن مع الإمارات بعد الهجوم الإرهابي الأخير لمليشيات الحوثي على منشآت مدنية في أبوظبي.
علاقات تاريخية
وترتبط الإمارات ومصر بعلاقات تاريخية وثيقة تستند إلى الوعي والفهم المشترك لطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية التي شهدتها وتشهدها المنطقة.
كما تستند العلاقات بين البلدين إلى أهمية التعامل مع هذه المتغيرات بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة ترسخ الأمن العربي والإقليمي، وتحافظ على استدامة التنمية في دولها.
ويحظى البلدان بحضور ومكانة دولية خاصة مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بإرساء السلام، ودعم جهود استقرار المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.
علاقات تاريخية أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من خلال قناعة راسخة بمكانة مصر ودورها المحوري في المنطقة.
ويرجع تاريخ العلاقات بين البلدين إلى ما قبل عام 1971 الذي شهد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترك وصية خاصة بمصر قال فيها: "نهضة مصر نهضة للعرب كلهم.. وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر.. وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة".
دعم وتضامن مطلق
ولطالما وقفت الإمارات إلى جانب مصر في الأوقات الصعبة منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وفي أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967، حيث سارع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مد يد العون لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي، وصولا إلى مساهمته في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، واتخاذه قرار قطع النفط تضامنا مع القاهرة، بجانب تبرعه بـ100 مليون جنيه إسترليني لمساعدة مصر وسوريا في الحرب.
ومثلما دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مصر في الحرب، شارك في مرحلة البناء التي توجت بمدينة الشيخ زايد التي شيدت على مساحة 9500 فدان والتي أهداها لمصر عام 1995، بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية.
كما توجد مدينة جديدة في المنصورة (دلتا النيل) تحمل اسم الشيخ زايد أيضا، وفي 2010 تم الانتهاء من مشروع قناة الشيخ زايد، لنقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في منطقة توشكى، وفي مستشفى الشيخ زايد يعالج مصريون، ويتعلم أبناؤهم في مدارس تحمل اسمه.
في المقابل، كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت للاعتراف به فور إعلانه ودعمته دوليا وإقليميا كركيزة للأمن والاستقرار، وإضافة جديدة لقوة العرب.
شراكة استراتيجية
ومنذ ذلك التاريخ، استندت العلاقات الإماراتية المصرية إلى أسس الشراكة الاستراتيجية بينهما لتحقيق مصالح الشعبين ومواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، وقد تعددت لقاءات قيادتي البلدين ومسؤوليها على كل المستويات للتنسيق حيال تلك التحديات.
وفي عام 2008، تم التوقيع على مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين، نصت على أن يقوم الطرفان بعقد محادثات ومشاورات ثنائية بطريقة منتظمة لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية، وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ومن أجل مزيد من التنسيق المشترك تم الاتفاق في فبراير/شباط 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسي ثنائية تجتمع كل 6 أشهر مرة على مستوى وزراء الخارجية والأخرى على مستوى كبار المسؤولين.
وتعددت لقاءات قيادتي البلدين ومسؤوليها للتنسيق حيال تلك المواقف، وهو ما أظهر نجاحا كبيرا في العديد من الملفات التي تحظى باهتمام الجانبين.
تنسيق ممتد
وتشير التجارب العملية إلى أن التنسيق المصري-الإماراتي والتفاهم بين البلدين بشأن القضايا العربية والإقليمية، دائما ما ينعكس بشكل إيجابي وفاعل على المنطقة العربية، ويجنبها اندلاع العديد من الأزمات.
من جانب آخر، فإن دعم مصر أمن واستقرار منطقة الخليج العربي نهج ثابت التزمت به القاهرة وأعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي تأكيده الراسخ عليه أكثر من مرة.
ويعتبر ملف مكافحة الإرهاب ونبذ التطرف والعنف والتحريض عليهما، ملف يجمع البلدين معا ويرتبط بسياسة كل منهما في العمل السياسي والدبلوماسي والديني.
ويترافق مع التوجه، التأكيد على ضرورة حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي، وذلك عبر محاربة الجماعات المتطرفة والإرهابية.
وتشير سياسات مصر والإمارات إلى حرصهما على محاربة تلك الجماعات ومكافحة أفكارها الهدامة، كما تحركت القاهرة وأبوظبي نحو التركيز على تجديد الخطاب الديني، والفهم الحقيقي للدين بعيدا عن عوامل المغالاة والتشدد التي تنتهي غالبا بالطريق المؤدي نحو الكراهية والعنف، وأهمية دور التعليم وتعزيز التسامح والسعادة بجانب مشاركة الشباب والدور الإيجابي للأسرة والمرأة والثقافة والوسطية الدينية. في مشاركة واسعة بين الجهات المسؤولة في البلدين.
تبادل اقتصادي
تمثل دولة الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، فيما تعد القاهرة خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة غير النفطية وتستحوذ على 7% من إجمالي تجارتها غير النفطية مع الدول العربية.
تعد دولة الإمارات أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي، برصيد استثمارات تراكمي يزيد على 55 مليار درهم، وتعمل أكثر من 1250 شركة إماراتية في مصر في مشاريع واستثمارات تشمل مختلف قطاعات الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي.
وفي المقابل، تستثمر الشركات المصرية بأكثر من 4 مليارات درهم في الأسواق الإماراتية، وتشمل مشاريعها كذلك القطاع العقاري والمالي والإنشاءات وتجارة الجملة والتجزئة.