الإمارات ومصر.. شراكة ملهمة في قلب العلاقات الأخوية
أكثر من 50 عاما مرت على العلاقات الإماراتية المصرية، ما زادتها السنوات إلا رسوخا وقوة، بفضل قيادة وتوجيهات قيادة البلدين.
فالعلاقات الإماراتية المصرية نموذج يحتذى به في العلاقات الأخوية العربية التي تستند إلى الشراكة والتعاون والتنسيق.
شراكة وتعاون يسهمان في تحقيق الرخاء والازدهار لشعبي البلدين وتنسيق لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية يما يسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة ونشر قيم السلام والتسامح.
وتعكس الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة والقمم المستمرة بين الجانبين قوة الشراكة الاستراتيجية وتلك العلاقات التي تجمع البلدين، والحرص على التنسيق والتشاور المستمر بينهما بما يدعم أمن واستقرار المنطقة.
ولا تكاد تمر فترة قصيرة إلا ويعقد قائدا البلدين قمما واجتماعات ومباحثات لتعزيز التعاون وبحث المستجدات وسبل مواجهة التحديات، وتبادل وجهات النظر حول كيفية دعم قضايا الأمة، حتى باتت شعوب المنطقة والعالم تترقب تلك القمم والاجتماعات وما سيسفر عنها من نتائج تسهم في الخير والازدهار والاستقرار للمنطقة.
ومنذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مقاليد الحكم في 14 مايو/ أيار الماضي، جمعته 5 لقاءات وقمم مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي من بين 11 لقاء وقمة جمعتهم خلال 9 شهور فقط، الأمر الذي يبرز قوة العلاقات بين البلدين.
قمم ولقاءات نقلت مستوى العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة إلى مراحل متقدمة مما أسهم في تعزيز حضورهما، كأحد أهم اللاعبين الأساسيين في المنطقة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري.
ولعبت الإمارات ومصر أدواراً هامة في العديد من الملفات الاستراتيجية في المنطقة ونجحت بحكمة قيادة الدولتين في تجنيب المنطقة العديد من المحطات التي كان من شأنها الذهاب بها إلى حالة من الفوضى وعدم استقرار.
ويجمع البلدان أيضا التعاون والتكامل لمواجهة أكبر تحد يواجه البشرية وهو مكافحة تغير المناخ، حيث ستستضيف مصر والإمارات قمتي المناخ العالميتين "كوب 27" و"كوب 28" العامين الجاري، والمقبل على التوالي.
وتكتسب العلاقات بين البلدين قوتها من جذورها التاريخية التي تعود إلى ما قبل تأسيس الاتحاد عام 1971، والتي أرسى دعائمها مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان .
في التقرير التالي ترصد "العين الإخبارية" أبرز مظاهر قوة العلاقات وتطورها عبر الزمن:
11 لقاء وقمة في 9 أشهر
تعد القمم واللقاءات التي تجمع قادة البلدين أحد أبرز مظاهر قوتها، وخلال العام الجاري فقط جمع قادة البلدين 11 لقاء وقمة خلال 9 أشهر فقط، بمتوسط قمة أو لقاء كل 24 يوما وهو متوسط قياسي في لقاءات القادة في العلاقات الدولية، الأمر الذي يبرز قوة العلاقات وحرص قادتهم على التنسيق والتواصل المستمر.
أحدث تلك القمم، كانت خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لمصر في أغسطس/ آب الماضي، وشهدت الزيارة عقد قمتين إحداهما ثنائية جمعت قادة البلدين عقب وصول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لمدينة العلمين المصرية أغسطس/ آب.
وبحث الجانبان خلال اللقاء مسارات التعاون الثنائي والفرص العديدة الواعدة لتوسيع آفاقه إلى مستويات أرحب تعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية التي تدعم تطلعاتهما نحو تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والازدهار لشعبيهما.
وتبادلا وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والملفات محل الاهتمام المشترك وآخر تطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية، مؤكدين ضرورة اللجوء إلى الحوار والتفاهم والطرق الدبلوماسية لتسوية النزاعات والأزمات بالوسائل السلمية التي تكفل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وتطرق اللقاء إلى أهمية تعزيز العمل العربي المشترك ووحدة الصف العربي في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة العربية .
وتم عقد قمة عربية تحت مسمى "لقاء العلمين" التشاوري في 23 من الشهر نفسه، جمعت قادة البلدين إضافة إلى عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة وعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني.
وجدد القادة خلال القمة دعمهم أي جهد ومسعى يهدف إلى ترسيخ أسس السلام والاستقرار والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة والذي يرتكز على دعائم الثقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بما يحقق تطلعات جميع شعوب المنطقة في التقدم والازدهار والتنمية.
وشهدت تلك الزيارة لفتة هامة تعكس مدى قوة العلاقات الأخوية بين البلدين، حيث قام رئيس الإمارات والرئيس المصري معا باستقبال إخوانهما ملك البحرين وملك الأردن ورئيس وزراء العراق لدى وصولهم إلى مطار العلمين.
جاءت قمتا العلمين بعد شهر من مشاركة الزعيمين في قمة جدة للأمن والتنمية 16 يوليو/ تموز الماضي، التي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى قادة أمريكا ومصر والأردن والعراق.
وصدر في ختام القمة بيان أكد فيه القادة رؤيتهم المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار.
وسبق أن شارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والسيسي في "منتدى الاقتصادات الرئيسية الخاص بالطاقة وتغير المناخ" الذي دعا إليه جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية 17 يونيو/حزيران الماضي وأقيم عن بعد.
العلاقات الأخوية القوية بين الدولتين، تجسدت أيضا بشكل جلي في حرص الرئيس المصري على زيارة أبوظبي 14 مايو/أيار الماضي، لتقديم العزاء للشيخ محمد بن زايد آل نهيان في وفاة أخيه رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتهنئته بتولي رئاسة الدولة ليكمل مسيرة المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه الراحل في دعم مسيرة العمل العربي المشترك.
وقبيل تلك الزيارة، شارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والسيسي، وعاهل الأردن في قمة ثلاثية بالقاهرة 24 أبريل/نيسان الماضي، تم خلالها بحث تعزيز العمل العربي المشترك وأهمية التنسيق المتبادل في ظل التحديات والأزمات التي تشهدها المنطقة العربية وتهدد أمنها واستقرارها.
وكانت تلك القمة هي الثانية من نوعها التي تجمع قادة الدول الثلاث خلال شهر، بعد القمة التي جمعتهم في مدينة العقبة الأردنية 25 مارس/آذار الماضي، وشارك فيها أيضا مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق.
قمة العقبة جاءت بعد أيام من قمتين جمعتا الرئيس المصري والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مدينة شرم الشيخ المصرية إحداهما ثنائية عقدت في 21 مارس/آذار وتم خلالها بحث مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل الارتقاء بها ودفعها إلى الأمام لمصلحة البلدين وشعبيهما.
وفي اليوم التالي، عقدت قمة جمعت الزعيمين ونفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل آنذاك بحثت التعاون والتنسيق والتشاور بما يلبي طموحات التنمية والاستقرار في المنطقة.
أيضا شهد مطلع العام الجاري مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس المصري في قمتين جمعتهما خلال زيارة الرئيس السيسي للإمارات في 26 يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي اليوم نفسه، عقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس السيسي قمة بحثا خلالها العلاقات الأخوية الراسخة ومختلف جوانب التعاون والعمل المشترك بين البلدين وسبل تنميته في جميع المجالات، إضافة إلى مجمل القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وعقب تلك القمة، عقدت قمة أخرى جمعت إضافة إلى الزعيمين الإماراتي والمصري، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة بحثوا خلالها التعاون وتنسيق المواقف تجاه مختلف القضايا محل الاهتمام المشترك، إضافة إلى آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والتحديات المشتركة التي تواجهها المنطقة العربية.
شراكة وتكامل
وتخلل قمم القادة، زيارات متبادلة لوفود ومسؤولين رفيعي المستوى من البلدين على مدار الفترة الماضية، لتعزيز التعاون بينهم في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها.
كان أبرز ثمار تلك الزيارات توقيع اتفاقية لـ"الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة" وقعتها الإمارات ومصر والأردن خلال زيارة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري للإمارات نهاية مايو / أيار الماضي، قبل أن يتم الإعلان في يوليو/ تموز الماضي عن انضمام البحرين لتلك الشراكة.
شراكة صناعية تكاملية تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التكامل الصناعي المنشود وذلك من خلال تأمين سلاسل التوريد وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوطين الصناعة وتكامل سلاسل القيمة، للوصول إلى صناعات متكاملة ذات قيمة مضافة، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، تسهم في خلق المزيد من فرص العمل.
رسائل ودلالات هامة
شراكات نموذجية وقمم متتالية بين قادة البلدين تكشف الحرص المشترك على تعزيز العلاقات الثنائية وتطوير الشراكة الإستراتيجية ومواجهة التحديات المختلفة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتعبر القمم الدورية عن متانة العلاقات الأخوية المتجذرة بين البلدين وأهمية التنسيق بينهم لتحقيق التطلعات المشتركة وتوحيد الصف العربي وتحصين دول المنطقة وحماية أمنها.
كما تعبر تلك الزيارات والمباحثات والتعاون المتنامي عن خصوصية العلاقات بين القاهرة وأبوظبي التي بلغت ذروتها خلال الفترة الحالية، بعد أن شهدت تطورًا كبيرًا ونوعيًا في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها، ونموًا ملحوظًا في معدل التبادل التجاري، وزيادة كبيرة في حجم الاستثمارات الإماراتية في القطاعات الاقتصادية المصرية المختلفة.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، شهدت السنوات الأخيرة تنسيقًا وثيقًا حيال القضايا الرئيسة، مثل القضية الفلسطينية والعراقية والليبية واليمنية والسورية.
وتتوافق رؤى البلدين على أهمية التسوية السياسية لتلك الأزمات حقنًا للدماء وحفاظًا على مقدرات الشعوب، وصونًا للسلامة الإقليمية للدول العربية وحفاظًا على وحدة الأراضي العربية وسلامتها.
وفي موازاة ذلك، عملت أبوظبي والقاهرة ضمن التحالفات الدولية والإقليمية الهادفة لمحاربة الإرهاب ووقف تمويل الجماعات الإرهابية وسحب الغطاء السياسي والإعلامي عنها، فضلا عن وقف إمدادها بالسلاح والمقاتلين، وهو ما أسهم في تخليص المنطقة من العديد من التحديات.
كما تتوافق الرؤيتان المصرية والإماراتية في أن السلام هو السبيل الوحيد لحل أزمات المنطقة.
علاقات تاريخية
وترتبط أبوظبي والقاهرة بعلاقات تاريخية أرسى دعائمها الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ويرجع تاريخ العلاقات المصرية الإماراتية إلى ما قبل العام 1971 الذي شهد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترك وصية خاصة بمصر قال فيها : "نهضة مصر نهضة للعرب كلهم.. وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر.. وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة".
ولطالما وقفت الإمارات إلى جانب شقيقتها مصر في الأوقات الصعبة منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وفي أعقاب حرب يونيو 1967 حيث سارع الشيخ زايد إلى مد يد العون لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي، وصولا إلى مساهمته في حرب أكتوبر 1973، واتخاذه قرار قطع النفط تضامنا مع مصر، بجانب تبرعه بـ100 مليون جنيه إسترليني لمساعدة مصر وسوريا في الحرب.
ومثلما دعم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مصر في الحرب، شارك في مرحلة البناء التي توجت بمدينة الشيخ زايد (9500 فدان) التي أهداها لمصر عام 1995، بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية، كما توجد مدينة جديدة في المنصورة تحمل اسم الشيخ زايد أيضا، وفي 2010 تم الانتهاء من مشروع قناة الشيخ زايد، لنقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في منطقة توشكى، وفي مستشفى الشيخ زايد يعالج المصريين، ويتعلم أبناؤهم في مدارس تحمل اسمه.
في المقابل كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت للاعتراف به فور إعلانه ودعمته دوليا وإقليميا كركيزة للأمن والاستقرار، وإضافة جديدة لقوة العرب.
ومنذ ذلك التاريخ استندت العلاقات الإماراتية المصرية على أسس الشراكة الاستراتيجية بينهما لتحقيق مصالح الشعبين ومواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.
وفي عام 2008 تم التوقيع على مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين، نصت على أن يقوم الطرفان بعقد محادثات ومشاورات ثنائية بطريقة منتظمة لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ومن أجل المزيد من التنسيق المشترك تم الاتفاق في فبراير/ شباط 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسي ثنائية تجتمع كل 6 أشهر مرة على مستوى وزراء الخارجية والأخرى على مستوى كبار المسؤولين.
وشهدت السنوات الماضية تنسيقا وثيقا بين البلدين على الصعيد السياسي خصوصا حيال القضايا الرئيسية على الصعيدين العربي والدولي.
ويشهد الجانب الثقافي على العلاقة الوطيدة والتآخي الحقيقي بين البلدين، إذ تتم سنويا زيارات ولقاءات متبادلة بين المثقفين المصريين والإماراتيين في المؤتمرات الثقافية والعلمية والفنية التي يستضيفها البلدان
كما يحظى الأزهر الشريف بتقدير إماراتي رسمي وشعبي، كمرجع ديني معتدل، وفي هذا الإطار جاء إعلان مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبريل 2013 عن مبادرة لتمويل عدة مشروعات في الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية تبلغ تكلفة إنشائها نحو 250 مليون درهم إماراتي.
aXA6IDMuMTQ0LjQwLjIzOSA= جزيرة ام اند امز