هل مصر وحدها التي تحتفل بذكرى انتصارها على إسرائيل أم أن ذلك اليوم كان وسيظل ذكرة غالية على قلوب العرب من مشارق الشمس إلى مغاربها.
هل مصر وحدها التي تحتفل صباح السادس من أكتوبر تشرين أول من كل عام بذكرى انتصارها على إسرائيل أم أن ذلك اليوم كان وسيظل ذكرى غالية على قلوب العرب من مشارق الشمس إلى مغاربها؟
الشاهد أنه قليلة هي تلك اللحظات المشرقة المماثلة في تاريخ العالم العربي، فقبل خمس وأربعين سنة عرفت الأمة لحظة تنوير حقيقية عندما توحدت الصفوف خلف المقاتلين المصريين في سيناء والسوريين في الجولان.
أحدثت جبهة النفط التي قادها زايد الخير بالشراكة مع أخيه الملك فيصل تأثيرها الواضح على أسواق النفط العالمية، وأثرت ولا شك تلك الجبهة على صناع القرار السياسي في العالم الغربي، وعجلت بوقف إطلاق النار على الجبهتين
كانت إسرائيل قد استولت بالقوة على الأراضي العربية ولم يكن من طريق غير القوة لاسترجاعها، وإذا كان موشي ديان وزير دفاع جيش الاحتلال قد تندر على العرب بأنهم لا يقرؤون وإذا قرأوا لا يفهمون، فإنه صبيحة ذلك اليوم أثبت العرب أنهم يعون جيداً دروس التاريخ وأحاجي الإنسانية، ولهذا كان النصر حليفهم.
أعد المصريون خطة هائلة من الخداع الاستراتيجي في مواجهة العدو الإسرائيلي، لتكون جبهة سيناء نارا وبارودا في مواجهة المحتل، غير أن هناك جبهة ثالثة كانت قائمة تدعم وتزخم المقاتل المصري والسوري معا.
كانت الأمة قد توحدت كلمتها على أنه قد حان الوقت للخلاص من عبودية الاحتلال الإسرائيلي مهما كلف الأمر، وأن كرامة أي عربي تمثل كرامة العرب بأجمعهم، ولم يكن هناك من يفهم معنى ومبنى تلك الكلمات بقدر رجل جاء من البادية وصحرائها، وحمل في قلبه وعقله القيم والأخلاق التي تتسق مع إعانة الملهوف وعون الأخ والشقيق لا سيما في وقت الضيق.
أربعة عقود ونصف مرت منذ تلك الأيام التي كان فيها "زايد الخير" في بريطانيا يوم اشتعلت حرب السادس من أكتوبر وما كان منه إلا أن قطع الزيارة عائدا لبلاده لمشاركة إخوانه العرب غمار معركة تحرير الأرض، وكان قبل العودة قد عقد مؤتمرا صحفيا في لندن أكد فيه على دعم بلاده لدول المواجهة ووقوفه إلى جانبهم بكل حزم وحسم.
اعتبر زايد الخير أن "النفط ليس أغلى من الدم العربي"، ولم يكن دعمه لمصر ماليا فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما شدد على أنه:" عندما تفتح أفواه المدافع سوف نغلق على الفور صنابير النفط ولن نكون بعيدين عن المعركة".
من معينه الإنساني والحضاري كان زايد الخير يتحدث عن اللحظة الآنية، وكيف أن العرب جميعا لديهم استعداد للعودة مرة أخرى إلى العيش على التمر والحليب إن لزم الأمر، ما يعني الاستغناء عن الريع النفطي والعوائد الهائلة التي تدرها تلك الصناعة على أصحابها، إلا أنها في تلك اللحظة التاريخية لن تكون لها قيمة في مواجهة الدماء العربية التي تسيل على الأرض.
على المقربة من الإمارات العربية الشقيقة كان هناك رجل عروبي التوجه صاحب همة عالية ونخوة غير مسبوقة، يرفع صوته عاليا لتوقف بلاده إنتاجها من النفط إلى أقل حد ممكن، كان الملك فيصل رحمه الله هو الصديق والشقيق لزايد الخير، والاثنان يدعمان المعركة التاريخية للعرب، ويعتبران أنها ليست معركة المصريين أو السوريين فحسب، بل معركة عموم العالم العربي.
وأحدثت جبهة النفط التي قادها زايد الخير بالشراكة مع أخيه الملك فيصل تأثيرها الواضح على أسواق النفط العالمية، وأثرت ولا شك تلك الجبهة على صناع القرار السياسي في العالم الغربي، وعجلت بوقف إطلاق النار على الجبهتين، غير أن أهم درس خرج به العالم من ذلك الموقف التاريخي، هو أن هناك إرادة عربية حقيقية يمكن أن تذيب الصخر، وأن تسأل الجبل أن ينقلع من موضعه وموقعه ليلقي نفسه في اليم فيطيع صاغرا.
رحل زايد الخير عن عالمنا إلى جنة الخلد بإذن الله، لكنه ترك من أبنائه البررة من حفظ جيدا وصيته تجاه مصر أرضا وشعبا، في الحال والاستقبال، فقد استشرف كبير الهمة واسع الرؤية مآلات الأيام، وأدرك أن مصر بدون شوفينية قلب العروبة النابض بانتصارها يمكن للأمة أن تمضي بالأشقاء يدا بيد، وبانكسارها يلف الخوف والغموض الجميع ويصبح المستقبل علامة استفهام مقلقة.
وقعت مصر وللأسف في براثن قوى الشر التي أرادت لها الانكسار في معركة أخرى، معركة الأصوليات الحمقاء، تلك التي تطلعت لتفتيت وتفكيك النسيج المصري، وتحويل مصر إلى دولة ظلامية، وإلى أفغانستان ثانية، وهو الأمر الذي لا يستقيم مع الطبيعة المصرية، ولهذا كانت الثورة على الخيانة والخونة من قبل ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع هاتفين بأعلى الأصوات ...يسقط يسقط حكم المرشد.. وأي مرشد هذا الذي يمكن أن يحكم مصر؟
ما فعلته مصر في الثلاثين من يونيو 2013 كان له عميق الأثر في إفشال أو على أضعف تقدير إيقاف وتأجيل هذا السيناريو البغيض سيناريو تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وحكما أن الدعم العربي من الأشقاء وفي مقدمتهم الإمارات العربية كان دعما اساسيا وسندا جوهريا في زخم ثورة المصريين دون خوف من ترهيب أو ارتهان لترغيب.
تظهر الأزمات في كل الأوقات معادن الرجال ومن فوائد الشدائد ومنح المحن علو أهل الحق ودنو أهل الباطل.. أنها حركة الشعوب وقواها الناعمة وبخاصة إذا كانت قائمة على أسس قوية ومبنية على قواعد راسخة.
زايد الخير رجل من الرجال الأماجد الذين نتوق لأن نجعل من تراب أرجلهم كحلا لعيوننا
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة