يوماً بعد يوم، تتجه دولة الإمارات قدماً في تطبيق استراتيجيتها المستقبلية القائمة على مستقبل أفضل لها وللعالم. وتتسارع وتيرة تنفيذ وتطوير السياسات التي تتبناها لهذا الغرض.
ومع أنها تُعد حالياً ضمن الدول المتقدمة في معظم مجالات وصور قياس "قوة الدول"، تكشف البيانات والإحصاءات الحديثة عن إنجازات ضخمة وأشواط بعيدة قطعتها دولة الإمارات في جميع مسارات تقدم الدول والشعوب. ومن أبرز هذه المسارات وأكثرها أهمية، تأمين مصادر القوة وموارد ازدهار اقتصاد الدولة، وعلى رأسها تنوع مجالات النشاط الاقتصادي واستدامة مقومات التنمية.
وتباعاً، تتوالى مؤشرات النجاح في هذا الاتجاه، ومنها ما جاء في التقرير الحديث الصادر قبل أيام عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، الذي يسجل التقدم الكبير الذي تحققه الإمارات في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تستقبلها الدولة، والزيادة المطردة في معدلاتها.
إذ جاء بالتقرير أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى دولة الإمارات في العام الماضي 2022 بلغت نحو 23 مليار دولار، بزيادة نسبتها 10% عن العام السابق 2021. وقياساً على خريطة تدفقات الاستثمار في العالم تعد هذه النسبة للزيادة السنوية كبيرة. كذلك الأمر على المستوى الإقليمي، فبهذا الحجم من الاستثمارات استحوذت دولة الإمارات على 60% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ما يشير إلى مدى الجاذبية الاستثمارية والبيئة المواتية التي تتمتع بها دولة الإمارات مقارنة ليس فقط بدول كثيرة في العالم تسعى إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي فيها، لكن أيضاً بالمقارنة مع الدول الشقيقة المشابهة.
ولفهم هذا التفوق والنجاح الذي يميز المناخ الاستثماري في الحالة الإماراتية عن غيرها، يجب النظر إليه في الإطار الأشمل، أي التوجه العام والرؤية التي تقود حركة دولة الإمارات داخلياً وخارجياً، والمستندة بالأساس إلى رجاحة ووعي القيادة الرشيدة للدولة، إذ يرجع النجاح الإماراتي متعدد المسارات والشامل لكل المجالات، إلى الانطلاق بشكل صحيح ومدروس وواقعي وطموح في آن واحد.
وكانت نقطة البداية هي الخروج من "أحادية الاقتصاد" عبر كسر طوق الارتباط بالنفط كمصدر أساسي للدخل ومحرك رئيسي لعجلة الاقتصاد. فقد باشرت دولة الإمارات قبل سنوات سياسات متوازية لإحلال قطاعات أخرى محل الاقتصاد النفطي بالتدريج. مع الحرص في الوقت ذاته على تعدد تلك القطاعات وتوازيها، حتى لا يرجع الأمر إلى الدخول مرة أخرى في دائرة الأحادية والوقوع تحت هيمنة قطاع آخر غير النفط.
وقد شملت تلك السياسات تنمية قطاع التجارة الحرة ببناء منطقة "جبل علي" الحرة، لتبدأ بمنطقة تجارة حرة ونقطة تقاطع للتجارة العالمية بين شرق العالم وغربه. وكان ضمن الأهداف الخاصة بتلك المنطقة أيضاً تحويلها سريعاً إلى منطقة صناعية تستفيد من مزايا التجارة الحرة، بالإضافة إلى توافر العمالة والخدمات اللوجستية.
ثم انتقلت دولة الإمارات إلى مستوى آخر باستحداث أنشطة جديدة داخل المجالات الاقتصادية المعروفة، فظهر ما عرف بسياحة المؤتمرات التي تطورت بدورها لتتحول إلى سياحة الفعاليات والمهرجانات الدولية في مجالات عديدة، ثم اتسعت لتشمل أوجه وأنشطة السياحة الترفيهية.
وفي ظل رؤية استباقية وإدراك مستقبلي لأولويات العالم، اتجهت الإمارات إلى ارتياد آفاق جديدة لا يزال كثير من دول العالم المتقدمة تتحسس الخطوات فيها. وأهمها الاقتصاد الأخضر والاستدامة البيئية والمبادرات التنموية الشاملة والمبتكرة. وعلى رأسها المبادرات المتعلقة بتكنولوجيا الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة والمتجددة، فضلاً عن العمل على التوازي في مسارات مواجهة التداعيات والتحديات المرتبطة بقطاعات الاقتصاد التقليدية مثل التلوث والتغير المناخي الناجم عن الصناعات الثقيلة واستخدام مصادر الطاقة غير الصديقة للبيئة مثل الفحم.
وفي ظل استقرار مجتمعي وسياسات واضحة وخدمات وتسهيلات معيشية ولوجستية فوق الممتازة، يكون من الطبيعي أن تشكل تلك السياسات والقفزات الإماراتية في شتى المجالات، بيئة استثمارية شديدة الجاذبية للمستثمرين الأجانب. وبعد أن دخلت دولة الإمارات قائمة أعلى 5 دول في العالم جاذبية للمعيشة ومثالية للإقامة فيها، وفقاً لمعايير وأهداف الإنسان العادي، نجد دولة الإمارات تضيف إلى ذلك إنجازاً أصعب وهو القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المعروفة دائماً بحساسيتها ودقتها وصعوبة استقطابها.
الخلاصة: أن هذا كله يشكل صورة متكاملة لدولة ترسخ ثقافة الإنجاز والتميز لبيئة نموذجية جاذبة للبشر من كل أنحاء العالم، مواطنين كانوا أو رجال أعمال واستثمار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة