الإمارات والاتحاد الأوروبي إلى «شراكة شاملة».. خطوة استراتيجية وتوقيت حاسم

تبرز الشراكة الاقتصادية الشاملة المرتقبة بين دولة الإمارات والاتحاد الأوروبي بصفتها خطوة استراتيجية مهمة لها ما بعدها، خاصة في هذا التوقيت الحاسم الذي يشهد تصاعد التوترات التجارية حول العالم.
ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن هذه الشراكة تمثل فرصة مهمة لتعزيز التكامل الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وبناء نماذج تعاون قائمة على الابتكار والاستدامة، ومنصة طموحة لمواجهة التحديات الراهنة، والتحوط من اضطرابات سلاسل الإمداد وصولاً إلى تداعيات مجابهة السياسات الحمائية وإعادة التوازن.
وأمس، اتفق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وأورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، خلال اتصال هاتفي، على إطلاق مفاوضات لإقامة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والاتحاد الأوروبي.
توقيت بالغ الأهمية
يقول الخبير الاقتصادي المقيم في لندن، الدكتور أنور القاسم، إن الخطوة التي تم اتخاذها لتعزيز التعاون الاقتصادي بين أبوظبي والاتحاد الأوروبي تأتي في توقيت بالغ الأهمية، حيث يشهد التبادل التجاري العالمي اضطرابًا غير مسبوق.
وأوضح القاسم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن هذه الخطوة تمثل صمام أمان لأوروبا في منطقة الخليج الحيوية، وتسهم في تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل بالنسبة للإمارات، بما يعزز من استقرارها الاقتصادي على المدى الطويل.
صمام أمان لأوروبا
وأشار إلى أن الإمارات تُعد مركزًا إقليميًا بارزًا للتجارة الدولية، ما يمنح أوروبا فرصة للاستفادة من موقعها الجغرافي وبنيتها التحتية المتطورة، مؤكدًا أن التعاون بين الجانبين من شأنه أن يعزز النمو والاستقرار في الخليج، في ظل المصالح المتبادلة بين الطرفين، لافتًا إلى أن هذه الشراكة تفتح آفاقًا واسعة أمام الاستثمار وتبادل الخبرات، وتدعم إنشاء مراكز جديدة لإعادة التصدير إلى دول العالم، وهو ما يُسهم في تعزيز موقع الاتحاد الأوروبي التجاري عالميًا.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يمثل سوقًا ضخمة ويمتلك تقنيات متقدمة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يُمكن أن يساعد في تعويض جزء كبير من الخسائر التي لحقت ببعض الدول جراء السياسات الجمركية الأمريكية الأخيرة، التي تهدد بنية الاقتصاد العالمي، متابعًا أن هذه الشراكة قد تشكل نواة مبتكرة لمرحلة اقتصادية جديدة تتجاوز الهيمنة الأمريكية، التي أصبحت شيئًا من الماضي في ظل المتغيرات الراهنة.
خطوة استراتيجية
وفي السياق ذاته، يرى المحلل الاقتصادي التونسي المقيم في باريس، الدكتور أشرف العيادي، أن المعطيات الراهنة التي تُشكل المشهد الاقتصادي العالمي، وفي مقدمتها الرسوم الجمركية الأمريكية الشاملة، أسهمت في خلق حالة من عدم اليقين والضبابية، أضعفت أسس التجارة الحرة وزادت من المخاطر التي تحيط بالتبادل التجاري الدولي.
وأضاف العيادي في حديث لـ"العين الإخبارية" أن هذه الرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة أدت إلى تآكل الثقة بين الدول والمؤسسات الاقتصادية، حيث باتت السياسات التجارية تتسم بمزيد من التقلب والتوتر، مما يهدد استقرار سلاسل الإمداد الحيوية.
وأوضح أن إطلاق مفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والاتحاد الأوروبي يُعد خطوة استراتيجية بالغة الأهمية، تهدف إلى تقليل آثار تلك الاضطرابات، وتقديم نموذج بديل قائم على تكامل اقتصادي أعمق وأكثر مرونة.
وأشار إلى أن هذه المبادرة لا تُعالج فقط التحديات الآنية، بل تسهم أيضًا في بناء أرضية مشتركة تُمكّن الطرفين من تجاوز تأثير السياسات الحمائية، وتنويع الشركاء التجاريين بعيدًا عن الاعتماد على طرف واحد، في إشارة إلى التوجه الأمريكي الانعزالي.
شراكة شاملة
وأكد العيادي أن الاتحاد الأوروبي، باعتباره ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات، يرتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية متينة معها، ما يُوفر بيئة مثالية لتأسيس شراكة شاملة تُعزز التعاون في مجالات متنوعة مثل الصناعة، والخدمات اللوجستية، والتمويل، بالإضافة إلى القطاعات الناشئة كالاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة.
وأوضح أن هذه الاتفاقية من شأنها أن تُمكّن الجانبين من تبني آليات أكثر كفاءة لتبادل السلع والخدمات، وتؤسس لجسر تجاري ثابت يتجاوز تأثير الأزمات الظرفية والسياسات المؤقتة، مشددًا على أن الاتفاقية يمكن أن تتحول إلى منصة رئيسية لتطوير اقتصاد جديد متكامل ومستدام.
وحول آفاق التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، توقع العيادي أن تتضمن الاتفاقية بنودًا تُشجع على تبادل الخبرات وتعزيز الابتكار، ما يجعل من الإمارات والاتحاد الأوروبي وجهتين رئيستين للاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، وجذب الشركات العالمية والمواهب المتخصصة.
كما أشار إلى أن الاتفاقية المرتقبة قد تُشكل أساسًا لبيئة اقتصادية أكثر توازنًا واستدامة، خصوصًا إذا ما تم تضمين التزامات واضحة تجاه معايير الاستدامة البيئية والتنمية المستدامة، ما يمنحها بعدًا اقتصاديًا وأخلاقيًا يعزز من استقرار النمو طويل الأجل، مختتمًا بتأكيد أن الشراكة الشاملة بين الجانبين تمثل خطوة نوعية في بناء محور ابتكاري جديد في قلب الاقتصاد العالمي، يستند إلى البحث والتطوير والتكامل الاقتصادي بعيدًا عن الأطر التقليدية المتآكلة.
تنويع الاقتصاد
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي علي حمودي، أن الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي تحمل في طياتها عناصر تنافسية قوية وقيمة مضافة للطرفين، خاصة في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وتنامي الحاجة إلى نماذج شراكة أكثر تكاملًا واستدامة.
وأشار حمودي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن أحد أبرز جوانب هذه الشراكة يتمثل في تنويع الاقتصاد، حيث تسعى دولة الإمارات والاتحاد الأوروبي إلى تقليل الاعتماد على الصناعات التقليدية، وتوسيع قاعدة النمو الاقتصادي ليشمل قطاعات ناشئة مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الرقمية، والتصنيع المتقدم، معتبرًا أن هذا التوجه يعزز المرونة الاقتصادية لكلا الطرفين ويقلل من التعرض للصدمات الاقتصادية العالمية.
وأوضح أن الاتفاقية المرتقبة من شأنها أن تُسهم في تحسين تدفقات التجارة والاستثمار، عبر تخفيف الحواجز الجمركية وتبسيط الإجراءات، مما يُسهم في خلق مزيد من فرص العمل، وتحقيق معدلات نمو اقتصادي أكثر استقرارًا، بالإضافة إلى تعزيز القدرة التنافسية للمنطقتين على المستوى الدولي.
نقل التكنولوجيا
وأشار حمودي إلى أن نقل التكنولوجيا وتعزيز الابتكار سيكون أحد الأعمدة الرئيسية لهذه الشراكة، موضحًا أن تسهيل تبادل المعرفة والخبرات سيؤدي إلى تقدم ملموس في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، وحتى استكشاف الفضاء. كما توقع أن تُسهم المبادرات المشتركة في البحث والتطوير في تحقيق إنجازات نوعية تُرسّخ مكانة الطرفين كمراكز عالمية للابتكار.
وأضاف حمودي أن الموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات، كبوابة بين الشرق والغرب، إلى جانب البنية التحتية الأوروبية المتطورة، يُشكلان معًا قوة لوجستية وتجارية هائلة، تُمكن من إنشاء مركز عالمي للتجارة والاستثمار يُقلل من تكاليف النقل ويُعزز كفاءة سلاسل التوريد، مشيرًا إلى أن التنسيق التنظيمي بين الجانبين واعتماد معايير موحدة سيُسهم في تقليل الحواجز التجارية العابرة للحدود، ويُعزز الشفافية وثقة المستثمرين، وهو ما يُعدّ خطوة ضرورية لضمان بيئة أعمال مستقرة وقابلة للتنبؤ.
التكامل العابر للحدود
وحول مستقبل الاقتصاد الجديد، شدد حمودي على أهمية الاستثمار في التعليم وتطوير المهارات، خصوصًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، بما يدعم الابتكار ويُعد القوى العاملة لاحتياجات المرحلة القادمة، مشيرًا إلى ضرورة دعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، من خلال توفير بيئة تنظيمية مواتية، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وتطوير حاضنات الأعمال ومبادرات الإرشاد التي تساعد الشركات الناشئة على النمو والازدهار.
واعتبر أن تطوير البنية التحتية الرقمية هو عامل حاسم لنجاح الشراكة، خاصة مع التوسع في تقنيات الجيل الخامس، والحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، وهو ما من شأنه أن يعزز القدرة التنافسية لكلا الجانبين في الاقتصاد الرقمي، مشددًا على أن هذه الشراكة الشاملة بين الإمارات والاتحاد الأوروبي تُمثل فرصة استراتيجية لبناء اقتصاد جديد، يقوم على الابتكار والاستدامة والتكامل العابر للحدود.
أحد الحلول الفعالة
أكد الخبير الاقتصادي الدكتور كمال أمين الوصال أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي على العديد من شركاء التجارة الرئيسيين للولايات المتحدة تسببت في حالة من الضبابية وعدم اليقين على صعيد التجارة العالمية.
وأشار الوصال في حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن هذه السياسات لا تقتصر تأثيراتها على التجارة فقط، بل تمتد لتطول الاستثمار، باعتبار أن الاستثمارات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإمكانات التصدير وتوسيع الأسواق، مضيفًا أن الفوضى التجارية المتزايدة قد تؤدي إلى فوضى اقتصادية إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو. وفي مواجهة هذه التحديات، يرى أن الشراكات الاقتصادية تعد أحد الحلول الفعالة، حيث تتيح هذه الشراكات تسهيل عمليات التجارة من النواحي اللوجستية، وتُسهم في إلغاء الرسوم الجمركية أو تخفيضها على المدى الطويل، مما يعزز فرص الاستثمار ويضمن استقرار الأسواق.
وتابع الوصال قائلًا إن الشراكة الاقتصادية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي تزداد أهمية، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يُعد ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات، مشيرًا إلى أن هذه الشراكة قد تؤدي إلى تكامل استراتيجي وتفاعل أكبر بين الطرفين، مما يخلق بيئة ملائمة للتجارة والاستثمار، موضحًا أن التاريخ المشترك بين الطرفين يدعم فرص نجاح هذه الشراكة.
دور الإمارات الحيوي
وأشاد الوصال بقدرة الإمارات على الاستفادة من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، نظرًا لدورها الحيوي في المنطقة ولثقلها الاقتصادي في سوق النفط العالمي، مسلطًا الضوء على جهود الإمارات في تنويع اقتصادها وتعزيز الابتكار التكنولوجي، ما يفتح آفاقًا واسعة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد المعرفي.
وشدد الوصال على أن هذه الشراكة ستُسهم في تحقيق استقرار اقتصادي وتحفيز النمو والازدهار لكلا الطرفين، وأنها تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا المتقدمة.
aXA6IDE4LjIyMS4yMzEuODkg
جزيرة ام اند امز