في جميع المنعطفات التي مر بها الشعب السوري، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة عنوانا لا يخطئه السوريون دولة وشعبا. من حيث الحضور الإنساني والسياسي، ومن حيث الرؤى والتصورات الاستراتيجية لما يجب أن تكون عليه سوريا حاضرا ومستقبلا.
الزيارة الأولى للرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات عام 2022 أحدثت مفاجأة مدوية في الأوساط العربية والدولية، كونها الأولى للرئيس الأسد إلى عاصمة عربية بعد أكثر من 11 عاما بسبب الأحداث التي عاشتها سوريا.
الأسئلة المحيطة بتلك الزيارة حينها تمحورت حول القرار المقدام الذي اتخذته أبوظبي بالانفتاح الفعلي والمعلن على سوريا، ومن ثم الانتقال من الطروحات والمقاربات إلى الخطوات العملية والسياسية.
الزيارة الحالية تفرض قراءة مستجدة من حيث الشكل والمضامين والآفاق. على مدى سنين الحرب التي عصفت بسوريا، لم تتوقف دولة الإمارات عن بذل مساعيها الهادفة إلى تقليل مخاطر الأحداث وتبعاتها الثقيلة على الشعب السوري، ولم تَلِن إرادتُها رغم صعوبة التحديات والتعقيدات التي تواجهها في هذا المضمار.
وكلما سنحت الفرصة من على المنابر الدولية والإقليمية والعربية تعلي صوتها وتطرح مقارباتها المتوازنة ومواقفها الجريئة المتعلقة بضرورة الأخذ بيد سوريا وشعبها وعدم تركهم نهبا للاضطراب ولأطماع الآخرين.
امتلكت زمام المبادرة في عملية كسر الحواجز النفسية تجاه سوريا، فبرهنت على إرادتها السياسية المستنيرة، مستندة إلى ثقل دور وازن، وتأثير فاعل، واستقلالية خياراتها.
هي زيارة دولة للرئيس السوري بكل تفاصيلها. حرصت القيادة الإماراتية على ترتيبها بطابع أخوي وبروتوكولي ملموس بما ينطوي عليه من دلالات وأبعاد، وهي زيارة عمل ثنائي أفردت صفحاتِها المحادثاتُ الثنائية بين الرئيس الأسد وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات حيث طافت على المسارات السياسية والاقتصادية والتنموية.
الرئيس الأسد أكد أن مواقف الإمارات دائماً كانت عقلانية وأخلاقية، وأن دورها في الشرق الأوسط هو دور إيجابي وفعال لضمان علاقات قوية بين الدول العربية، وشدد على أن هذا الدور يتقاطع مع رؤية سورية في ضرورة تمتين العلاقات الثنائية بين الدول العربية وصولاً إلى العمل العربي المشترك والذي يشكل الانعكاس المنطقي لما يجمع بين هذه الدول وشعوبها ويحقق مصالحها، قابله تأكيد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أهمية عودة سوريا لمحيطها العربي وبناء الجسور وتمتين العلاقات بين كل الدول العربية لفائدة وصالح شعوبها.
تداخلَ الإنساني بالسياسي في إرادة دولة الإمارات وقرارها بالوقوف إلى جانب الشعب السوري، فكانت أولَ الغيث بعد ساعات قليلة من كارثة الزلزال الذي ضرب عددا من المحافظات والمدن السورية في السادس من فبراير/شباط الماضي، وألهمت بإقدامها ونخوتها ضميرَ الإنسانية بمن فيهم أولئك الخصوم السياسيون الذين وجدوا أنفسهم أمام تحديات أخلاقية وقيمية بعد أن تكشّف حجم الكارثة على البلاد والعباد، وقد لخص الرئيس الأسد عمق إحساس السوريين وتقديرهم لمواقف الإمارات النبيلة بقوله "لم تنقل الطائرات الإماراتية المساعدات العاجلة فقط، بل نقلت عميق الإحساس تجاه الشعب السوري والتضامن معه في محنته".
أسهمت الدبلوماسية الإماراتية عبر محطاتها الخاصة بسوريا وشعبها في تسليط الضوء على أهمية تفاعل الأدوار المشتركة بين سوريا وأشقائها العرب، وبرهنت على أن التكافل المشترك بين الجميع هو السبيل الأكثر نجاعة لمعالجة الواقع السوري خاصة والعربي عامة من خلال الإصرار على ضرورة مواصلة البناء على ما يجمع وتنحية العوامل الطارئة التي تسببت في حدوث حالات الجفاء والجمود.
التحولات الجارية في المنطقة في أكثر من ساحة وعلى أكثر من صعيد تلتقي جميعها عند محورية التقارب والتفاهم، في وقت تشهد فيه بعض أطراف العالم نزاعات وصراعات عسكرية واقتصادية وتنافسية على الدور والمكانة والنفوذ، وكلها تنعكس بشكل أو بآخر على الواقعين العربي والإقليمي، ما يتطلب إعادة صياغة لكثير من البديهيات والأسس والأولويات الملائمة لمواجهة مفرزاتها في المرحلة المقبلة.
سوريا اليوم وبعد زيارة الرئيس الأسد لدولة الإمارات باتت دون أدنى شك على موعد مع غدٍ مغاير أكثر إشراقا لها من ناحية، وأكثر تفاعلا وتجانسا مع حاضنتها العربية من ناحية أخرى، بعد أن اتسعت دائرة الاهتمام العربي بها، ورسمت مواقف دولة الإمارات بكثير من الجدية مسارات ذلك بوضوح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة