بلا شك، أن الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات الأحد الماضي محطة مهمة وجوهرية على طريق عودة سوريا مجدداً إلى الحضن العربي.
وقد أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، أن "غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها".
وليس غريباً أن تمثل زيارة دولة الإمارات المحطة المهمة في عودة سوريا إلى مكانتها الإقليمية الصحيحة؛ لأن دولة الإمارات كانت من أولى الدول العربية التي بادرت مبكراً إلى الانفتاح على سوريا، وذلك في عام 2018 عندما أعادت فتح سفارتها في دمشق، وذلك حرصاً على معالجة الأزمة القائمة في سوريا داخل الإطار العربي وبحلول وأدوات وقيادة عربية.
وينبغي ألا تكون زيارة الرئيس بشار الأسد الأخيرة غريبة كونها الزيارة الثانية له إلى دولة الإمارات خلال عام واحد، إذ كانت الأولى في 18 مارس/آذار 2022 أي في نفس التوقيت قبل عام، وكانت وقتها الإمارات هي أول دولة عربية تستقبل الرئيس بشار الأسد خلال أكثر من عشر سنوات هي عمر الأزمة. ومنذ ذلك التاريخ والإمارات تقود، ولا تزال، جهود استعادة دمشق مكانتها عربياً ومكانها في جامعة الدول العربية. وتعتبر استضافة الدولة الرئيس السوري مرة ثانية خلال عام واحد، حلقة مهمة في تلك الجهود التي تبذلها الدولة وتنسق خلالها مع كل الدول والأطراف سواء بشكل ثنائي أو في سياق جماعي عربي وإقليمي.
ويمكن استخلاص دلالتين مما قاله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول أهمية عودة سوريا إلى محيطها العربي؛ الدلالة الأولى: أنها أفضل تعبير سياسي عن حقيقة دعم دولة الإمارات لعروبة الشقيقة سوريا وحقها في العودة لممارسة دورها التقليدي والطبيعي، والدلالة الثانية: أن تلك الكلمات هي أول موقف رسمي يصدر من دولة عربية حول ضرورة اتخاذ خطوة عملية ورسمية نحو إعادة "ترسيم" سوريا في نطاقها الطبيعي وهو المحيط العربي، الذي يتمثل بالأساس في جامعة الدول العربية. وبالتالي لا بد أن هذه البادرة الإماراتية ستتلوها مشاورات وتحركات للتعجيل بهذه الخطوة المنتظرة من كل العرب.
النقطة الاستراتيجية التي ينبغي ألا تغيب عن المراقب الموضوعي وهو يتابع استقبال دولة الإمارات للرئيس بشار، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تطورات متلاحقة وسريعة في اتجاه تحسين العلاقات وتهدئة التوترات بين بعض دولها، شملت الوصول إلى مرحلة التفاهم والتوافق على نقاط مشتركة بين دول ظلت العلاقات بينها تعاني من نزاعات وتوترات لسنوات طويلة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك التفاهم السعودي الإيراني، وتحسن العلاقات المصرية التركية، وتجسير الفجوة بين السعودية وتركيا، ثم أخيراً بوادر التقارب وفتح خطوط تواصل مباشر بين أنقرة ودمشق.
وكذلك التطورات الإيجابية الجارية في الأوضاع الداخلية في كل من تونس، والسودان، والعراق وليبيا لحسم "الفوضى الخلاقة"، تلك النظرية التي استهدفت الاستقرار العربي تحديداً.
إن هذه المسارات المتعددة للتهدئة وتصفية الأجواء في المنطقة، تجعل من الانفتاح العربي على سوريا أمراً مهماً وضرورياً، بل وربما له أولوية على بعض المسارات الأخرى. وذلك رغم الإقرار بأهمية تسوية كل الملفات وتجاوز جميع العقبات أمام إحلال السلام والاستقرار والتعاون بين مختلف دول المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة