أعاد الزلزال المدمر، الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر 6 فبراير الماضي، الاهتمام العربي بأزمة سوريا من أوسع الأبواب، وسط قناعة عامة بأنه لا جدوى من بقاء سوريا معزولة عن محيطها العربي.
وعليه شهدنا في الأيام الماضية سلسلة زيارات لوفود ومسؤولين عرب إلى دمشق، فيما قام الرئيس السوري، بشار الأسد، بزيارة إلى سلطنة عُمان، لتدب الحرارة في العلاقات السورية-العربية، وهو ما أكد أهمية الدبلوماسية الشجاعة التي اتبعتها دولة الإمارات مبكرا، عندما قررت إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وبذلت جهودا كبيرة لبلورة ما نشهده اليوم من حركة عربية تجاه سوريا، بحثا عن حل لأزمتها، وتحقيقا لنهجها الساعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم.
وإذا كان التحرك العربي المتسارع تجاه سوريا كسر "الاستاتيكو" -الثبات- الذي اتسمت به الأزمة السورية خلال السنوات الماضية، فإن جملة التطوارت والجهود والمعطيات المتعلقة بهذه الأزمة توحي بمسارات انفتاحية قد تنقل هذه الأزمة إلى مرحلة جديدة، لعل أهمها:
1-المسار العربي، الذي يتخذ شكل تهيئة الظروف لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وفي هذا الإطار كان لافتا تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عندما دعا، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، إلى انتهاج مقاربة جديدة عبر الحوار مع دمشق.
وأهمية حديث الوزير السعودي تنبع من أنه يأتي قبل أسابيع من موعد انعقاد القمة العربية، المقررة في الرياض، ولعل تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى خريطة تحرك عربية للتعاطي مع أزمة سوريا، ليس من أجل إعادة العلاقات معها فحسب، بل لإيجاد حل لأزمتها عبر خطوات ملموسة، تبدأ بإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار إلى الداخل، وصولا إلى حل سياسي يحقق الاستقرار لسوريا ويحافظ على وحدتها وينهي معاناة شعبها.
2- المسار الروسي للمصالحة بين تركيا وسوريا، ومع أن هذا المسار تجمّد قليلا بفعل تداعيات الزلزال الذي ضرب البلدين، فإن من الواضح بعد إعلان موسكو عن اجتماع رباعي قريب "روسيا، تركيا، إيران، سوريا" فإن هذا المسار يبدو أمام تطورات مهمة، خاصة في ضوء رغبة دمشق وأنقرة في ذلك، والمصالح المشتركة التي ستترتب على هذه المصالحة للجانبين.
3- مسار العقوبات الغربية، إذ إن إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن التخفيف من العقوبات المفروضة على الحكومة السورية عقب الزلزال يشكل مسارا سياسيا رغم أنه جاء بدواعٍ إنسانية وإغاثية، فالثابت أن المسارات الإنسانية تخلق حالة من التواصل السياسي، لا سيما أن المساعدات المقدمة من هذه الدول تمر عبر دمشق وسلطاتها وأجهزتها، ما قد يخلق حالة ينبغي البناء عليها سياسيا، خاصة إذا نجحت الجهود العربية تجاه سوريا في إعادتها إلى محيطها العربي.
4- مسار الجهود الأممية، التي اتخذت طابع المبادرة الأردنية، بطريقة خطوة مقابل خطوة، ولعل ما يعطي لهذه المبادرة قيمة هو تبني الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى سوريا غير بيدرسون لها، ومحاولته جعلها حاضرة في مفاوضات اللجنة الدستورية السورية.
هذه المسارات مجتمعة تشكل رافعة لكسر حالة الاستاتيكو، التي سيطرت على أزمة سوريا، ومع أن الطريق لحلها لن يكون سهلا، بسبب التدخلات الإقليمية، التي توغلت في هذه الأزمة خلال العقد الماضي، وتضارب الأجندة الإقليمية والدولية للدول المعنية بهذه الأزمة، فضلا عن الصراع الأمريكي-الروسي وأثره السلبي في التنسيق بينهما بشأن الأزمة السورية، وبالتالي إمكانية التوافق على حل سياسي لها، ولعل كل ما سبق يؤكد أهمية وجود خريطة عربية واضحة للتعاطي مع أزمة سوريا، وصولا إلى إعادتها إلى محيطها العربي أولا، وثانيا أهمية اتخاذ دمشق والفصائل السورية كلها خطوات متبادلة من أجل حوار مسؤول على قاعدة من التوافق الوطني من أجل حل سياسي للأزمة التي دمرت البلاد وأهلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة