سيكون من الصعب على وسائل التحليل السياسي الغربية فهم خريطة الشرق الأوسط الجديد والتحولات الحقيقية التي كانت ولا تزال تجري منذ قررت دولة الإمارات العربية المتحدة التدخل بصفتها راعية وداعمة وتقود المرحلة التاريخية الجديدة لمستقبل دول الشرق الأوسط.
وذلك وفق رؤية تستند إلى التسامح والسلام ومكافحة الإرهاب والتطرف وتخليص المنطقة من أعباء النزاعات الإقليمية، التي فاضت بها عقب "ثورات الربيع العربي" وظهور "داعش" ومحاولة "الإخوان المسلمين" بث الفتنة والتفرقة.
الخطة الإماراتية لمستقبل الشرق الأوسط ليست معقدة، بل هي الروح المثلى لاستخدامات الدبلوماسية بأفضل أدواتها وحالاتها، ليس من واقع التراجع، بل من منطلق القوة والندية وتوضيح عناصر الاتفاق كافة، مثل المصالح العليا والأهداف الاستراتيجية ومستقبل الأجيال والشعوب والكف عن الاستناد إلى قوى أخرى لم تحدد رأيها ولم تعرف طريقها ولا تزال تتخبط في أهدافها.
في الأسابيع الماضية، وفي ضوء توقعات هذه المساحة بفشل المحادثات غير المباشرة في فيينا بين إيران والولايات المتحدة، قدمنا دعوات عدة تكللت بالنجاح لعقد قمة تجمع الأطراف، ومن ضمنها إيران والولايات المتحدة ودول أوروبية والدول المعنية في الشرق الأوسط، تكون في المنطقة ذاتها وليس في فيينا أو غيرها، وتكون أيضاً بوابة لبدء محادثات شاملة تضع على رأس أجندتها تقريب المسافات ووجهات النظر والبحث في المسألة الأساسية، وهي أمن الشرق الأوسط من خلال تعزيز الحوار بين جميع الأطراف.
سننتظر نهاية هذا الشهر، أغسطس 2021، قمة عربية إقليمية ستعقد في العاصمة العراقية، بغداد، وستحضرها دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية وإيران وتركيا ومصر والكويت وأمريكا ودول أوروبية، وأيضاً كل من سوريا وقطر، وسيكون الملف الرئيسي هو بحث الملف النووي الإيراني، وكذلك المساعدة في إعادة إعمار العراق، وقد تشمل أيضاً إنهاء النزاع في سوريا، وإعادة إعمارها وإيجاد طريقة لتهدئة الصراع الإسرائيلي-الإيراني المتصاعد مؤخراً وتمهيد الطريق عبر مفاوضات غير مباشرة لاتفاقية سلام شاملة في الشرق الأوسط.
نجاح "القمة العربية الإقليمية في بغداد" متوقع، وستلعب الدبلوماسية دوراً مهما في فتح الأبواب التي أغلقت سنوات طويلة، وبحث الموضوعات حسب أولوياتها الحقيقية.
أما النتائج فستكون جدية وذات أثر مضاعف، لأن الدول المجتمعة تعلم أن هذا الطريق وهذه القمة قد تكون سبيل الخلاص الوحيد والفرصة الأخيرة التاريخية، التي تبعث الأمل في نفوس شعوب المنطقة من جديد.
ذكرتُ أيضاً، وفي توقعات مشابهة الأسبوع الماضي، أن الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي لديه خطة حقيقية، نابعة من خلفيته التاريخية القانونية المستندة على العدل، بالتقدم خطوات إيجابية نحو حلحلة الصراع الإقليمي بين إيران والدول العربية والخليجية.
ولم نتفاجأ هذا الأسبوع بإعلانه أن "الإمارات صديق مخلص" وقوله: "نحن نتمسَّك بروح الوئام الصادق تجاه الأمة الإماراتية.. ويمكن للعلاقة الوثيقة بين الحكومتين أن تمهد الطريق لعلاقات أخوية وتعاون وثيق بين البلدين"، ما يدلل أن الدبلوماسية الإماراتية تحقق نجاحاً استثنائياً تاريخياً في تقريب وجهات النظر وتقليص الفجوات وإنشاء قاعدة حوار مشتركة ترضى بها جميع الأطراف.
نأمل من "القمة العربية الإقليمية 2021" في بغداد أن تكون بوابة أخرى لإيجاد حل نهائي في اليمن، ووقف أي عمليات دعم وتمويل لجماعة "الحوثي" ضد الشقيقة المملكة العربية السعودية، ودفع "الحوثي"، من خلال حضور الأمم المتحدة للقمة، بوقف إطلاق النار في اليمن والقبول بالسلام لإنقاذ الشعب اليمني من وطأة الحرب والجوع والمرض، والذي سيسهم أيضاً في توسيع الأرضية المشتركة بين الدول الخليجية وإيران وكذلك بين دول الشرق الأوسط عموماً.
تحمل الإمارات لواء الدبلوماسية والسلام مؤمنة برؤيتها النبيلة وأهدافها الاستراتيجية، التي لن تؤمّن لشعب الإمارات الأمن والاستقرار والسلام والنمو والتطور الاقتصادي فحسب، بل ستؤمنه لشعوب وأجيال منطقة الشرق الأوسط، ولمستقبلها المزدهر المشرق.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة