نهنئكم بالعام الهجري الجديد 1443 وندعو الله أن يجعله عاماً مباركاً ميسوراً.
وقد مثّلت الهجرة النبوية نقطةً فارقةً في تاريخ البشرية، وأحدثت تغييراً حضارياً في مستقبل الأمم، ومن مفاعيلها أنها غيّرت صورة المجتمع الجاهلي المتعصب إلى مجتمع قائم على إعلاء قيم العدل والمساواة والعقيدة ونصرة قضايا المظلومين.
العظماء هم مَن يصنعون التاريخ ويعيشون حقائقه، وإذا كان هذا العظيم هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون التاريخ ومنجزاته دون أن نذكر الهجرة النبوية؟
لقد نصره الله بالهجرة، كما جاء في قوله تعالى: "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، سورة التوبة الآية 40.
وباستحضار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحداثها، تتجلى معاني الكمال الإنساني الزاخر بالتسامح، تعظيماً للإسلام وأمته، فقد كان انبراء المسلمين للدفاع عن الرسول ونصرته تعبيراً عن محبته وتوقيره، وكذلك محبتهم له اليوم واقتداؤهم به صوناً للدين وحمايةً له من المدّعين والمغالين الذين يتقوّلون عليه ويشككون فيه بتناقضاتهم التي لا أصل لها في الإسلام وشريعته السمحاء.
تم اختيار الفاتح من محرم للتأريخ الهجري، الذي يبدأ في عام 622 للميلاد، أي بداية عهد الدولة الإسلامية.
قبل ذلك لم يؤرخ العرب لأحداثهم، بينما كان العجم والفرس يؤرخون.. وقد كتب أبو موسى الأشعري لعمر بن الخطاب: "إنه تأتينا كتب منكم ليس فيها تأريخ"، فسأله "عمر": كيف نؤرخ؟، وتشاور مع الصحابة، ثم قرر: نؤرخ من الهجرة ومن شهر محرم، وذكّرهم بأيام الله.
حين اختار المسلمون الهجرة النبوية مبدأً لتاريخهم المجيد كانوا موفقين، فلو اختاروا مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعثته أو وفاته مبدأً لتاريخهم، فسيمثل ذلك تقديساً لإنسان، والإسلام دين يهتم بتقديس القيم المثالية العليا لا بتقديس الأشخاص، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذروة العليا للبشرية.
كانت الهجرة ميلاداً للزمن الإسلامي، وبدخول الرسول إلى يثرب رسم ثلاث مراحل غاية في الأهمية لمجتمع المدينة المنورة، بداية بمرحلة التكوين وهي الدعوة، حيث بنى المسجد ليكون منتدى للعبادة والتجمع والمشورة، ثم المرحلة الثانية وهي المؤاخاة الإيمانية بين الأنصار والمهاجرين، وبها رسَّخ السلم الأهلي وأزال الفرقة والشقاق، ثم شرع في مرحلة تكوين الدولة ووضع "وثيقة المدينة" لتحقيق الوئام المدني والتآلف بين سكان المدينة، وفيها يهود ونصارى، راسماً الحقوق والواجبات لكل طرف، ومحققاً السلم الأهلي والوئام والشراكة الوطنية.
إنها الهجرة من الاحتراب إلى الائتلاف، وفي ظلها قرّت عين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رآه وسرّه، فقال في ذلك: "هذه الأمة مرحومة".. ثم ظل هو وصحابته متمسكين بما أمر به القرآن الكريم: "وادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
وتعظيماً لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، من المناسب هنا إيراد بعض ما قاله المشاهير والعلماء والحكماء في شخصه، ومنها قول المهاتما غاندي: "أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك دون منازع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في الوعود..".
وبكل فخر واعتزاز، فإن دولتنا، على المستويين الرسمي والشعبي، توقر نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، وتحتفل بمولده الشريف، وتعطل في العام الهجري الجديد. وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، "طيب الله ثراه"، يتابع إقامة الموالد كل عام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة