لبنان يعيش مزيداً من الأزمات التي لم تتوقف منذ أن سيطر "حزب الله" على مفاصل السلطة لسنوات، فقد دار تراشق بالقذائف والصواريخ بينه وبين دولة الاحتلال، إسرائيل، في مناطقه الجنوبية.
واتضح لاحقاً أن عناصر من الحزب يطلقون هذه الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة بفلسطين من قرى آمنة، ما أخاف الأهالي من أن يتعرضوا لقصف إسرائيلي بنفس مواقع إطلاق صواريخ الحزب، فبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، وانهيار الليرة اللبنانية، حيث تجاوز الدولار الواحد حاجز 20 ألف ليرة، وكذلك جمود تشكيل حكومة إنقاذ بعد اعتذار "الحريري"، الذي واجه عراقيل من قبل رئيس الجمهورية، وعدم قدرة المكلف الجديد نجيب ميقاتي على إكمال تشكيل حكومته، وتردي الأوضاع الصحية مع جائحة كورونا، ونقص بالأدوية وكثير من الخدمات والسلع، بات لبنان معها، بالتزامن مع ذكرى انفجار مرفأ بيروت، أكثر قرباً من إعلان انهياره كدولة فاشلة متخبطة تدار من مراكز قوى داخلية كثيرة، أكبرها "حزب الله"، وأكبر معطل لحياتها السياسية هو من يفترض أن يكون الضامن للنظام الجمهوري، وهو الرئيس ميشيل عون نفسه.
فلا يمكن إنقاذ لبنان من الخارج فقط، كما يتمنى حكامه، فسبق أن اشترط المجتمع الدولي على لبنان إجراء الإصلاحات لتقديم الدعم المالي له.
وأبدى الرئيس الفرنسي استعداده لتنظيم مؤتمر دعم دولي جديد للبنان الشهر المقبل، بالتعاون مع الأمم المتحدة. حيث يمثل "حزب الله" ما يشبه دولة داخل دولة، فقد "أرسل حزب الله سفاحين عنيفين ضد الاحتجاجات الجماهيرية في الخريف الماضي لترهيب المحتجين، وربما تحطم جدار الخوف الآن، لكن ليس هناك ما يضمن أن هذا سيؤدي إلى لبنان أفضل"، كما كتب باول آنتون كروغر في صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" 9 أغسطس/آب 2020.
فالأكيد على كل حال، أن النظام القائم في طور الاحتضار، وربما لن يتمكن من الصمود لفترة أطول.. وهناك مخاوف من اندلاع أعمال عنف، حتى لو نجح اللبنانيون في إعادة توزيع السلطة.
ولا تكاد تحدث متغيرات في العالم إلا وإيران طرف فيها بتفويض رسمي عبر أذرعها المنتشرة في الدول العربية، وهي التي تملك جهازاً تنظيمياً مستبداً وتفرض سياستها بالرصاص داخلياً وخارجياً، لا شك أنها الدولة التي تحرق حقوق الإنسان، وهي الدولة التي تهيمن بالوكالة في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا، ولها ملف كبير في الإرهاب، كما يعلم العالم بأسره محتوى هذا الملف حق المعرفة.
نخلص مما سبق إلى أنه على الرغم من هذه الصورة البشعة، وهذا الملف السياسي، لا يزال العالم يتحاور ويتشاور كيف يتم إيقاف هذا الإرهاب، فكل الاعترافات والحقائق الكبيرة تدين هذا الدستور والتشريعات التي هدفها تحويل إيران إلى قوة عالمية على حساب الدول العربية، وغض الطرف عن الانتهاكات التي تمارسها ضد شعبها ودول الجوار.
وما يزيد الأمر سوءاً تلك الأمور الملتبسة التي تقوم بها الدول الكبرى داخل كل سياسة لتُوجد بها نزعة للمنافسة، فلم تترك الشعوب وعقائدها الدينية كما نشأت، ولا الوظائف التي تمارسها في حياتها، بل أيقظت ذلك المارد النائم الذي يهدد الاستقرار ويولد الطائفية، ولعل ذلك يرجع إلى مخطط نشر الفوضى في العالم العربي، والذي تم ربطه بشكل وثيق وعميق في ملفات إدانة لكل الانتهاكات من جميع الأطراف مؤخراً.
لذا، لن تحل الانتخابات الجديدة الأزمة السياسية طويلة الأمد والغارقة في الصراعات والانقسامات، فقد آن الأوان لإقالة هذه الحكومة، التي تدار بواسطة الراعي الرسمي لهذه المصاعب، وهو "حزب الله"، يد إيران في لبنان، فالسبيل الوحيد لنجاح أي مبادرة هو الإطاحة بالنظام الحالي، ولا نعلم لماذا هذه الدول تروج لنظام عالمي قائم على القواعد التي تؤسسها، ولا تطبقها، باعتبارها ضرورة أساسية لصيانة السلام والأمن الدوليين!
وقال لو دريان، لدى حضوره اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: "فرنسا تتمنى أن نبحث قضية لبنان، فالبلد يسير على غير هدى ومنقسم، وعندما ينهار بلد ما يجب أن تكون أوروبا مستعدة"، فجميع التصريحات والتطورات السياسية في مستهل زيارة "ماكرون" توحي بأن فرنسا لها تأثير كبير على لبنان، وهناك خطر جدي بأن تنتقل الحروب بالوكالة إليه من عدد من بلدان المنطقة، من سوريا واليمن وأماكن أخرى.
فهل تستطيع باريس إنقاذ بلاد الأرز؟ علماً بأن الرئيس الفرنسي يقوم بدور محوري في الجهود الدولية الرامية إلى حثّ زعماء لبنان على مكافحة الفساد واتخاذ مزيد من الخطوات لإصلاح بلدهم، ويسعى إلى إنجاز مهمته والحصول على نتائج سريعة للحفاظ على مصداقيته أمام المجتمع الدولي بإصراره على إجراء "إصلاحات أساسية" للحدّ من الفساد المستشري في قطاعات عدة، أبرزها الكهرباء والمرفأ والحسابات المالية.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة