من المسلّمات أن الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، يبقى كيانا واحدا بترابطه العضوي، متصلا بالقومية والثقافة واللغة.
لذا، فإن كل شرارة تُقدح في بلد منه لا بدَّ أن يصل لهيبها عابراً الحدود إلى أشقائه, فكما كانت تونس بداية ما يسمى "الربيع العربي"، الذي اعتلت أمواجه مشاريع وأجندات حوّلته إلى خريف أجرد, ها هي اليوم تعيد صياغة فصل جديد على مستوى العالم العربي, بلفظها التبعية وتقديس الأفكار المؤطرة بمشاريع لا تخدم الوطن, أو تسعى لتحويلها إلى مجرد ساقية ضمن مشاريع الإخوان الجارفة للهوية.
فالشعب التونسي طمح إلى دفع واقع الحال عام 2011 نحو الأفضل اقتصادياً وعلمياً وسياسياً, لا إلى هدم الأوطان أو حصرها بأيديولوجيا ضيقة لا تتعدى المصالح الشخصية والحزبية، التي تنخرط بمشاريع خارجية تتغول على البلاد والعباد، وإلا بماذا يفسَّر سعي حركة "النهضة" الإخوانية إلى شراء ذمم بعض الشخصيات العالمية المؤثرة من صحفيين ووسائل إعلام، ودعمها بالمال المسروق من قوت التونسيين، من أجل تلميع صورة "النهضة" خارجيا؟!
هذا بالطبع ما تعمل الدولة التونسية على كشف ملابساته، عبر فتح تحقيق حول تعاقد شخصيات من "النهضة" مع شركة ضغط أمريكية مطلوب منها ترويج زعم أن حركة "النهضة" هي المدافع عن الديمقراطية في تونس، عكس ما يقول الواقع، فالتصرفات التي أتتها "النهضة" ومناصروها قادت التونسيين للفظها والاعتراض على سلوكياتها، التي تحاول تذويب تونس الدولة في مشروعها الأيديولوجي العابر للحدود.
وبالرجوع إلى الماضي القريب نجد أن الشعب التونسي لم ينتفض عام 2011 أيديولوجياً, وإنما انتفض وطنياً, رافضا الظلم والفساد, مناضلاً من أجل العدل والبناء, لا متآمراً من أجل الهدم والتخريب, لذلك فإن معظم التونسيين اليوم بكل مشاربهم الفكرية والسياسية يشعرون بالارتياح لقرارات رئيسهم قيس سعيد، آملين في جديد يحقق مطالبهم ويعيد ثورتهم إلى منبعها الشعبي الصادق.
هذا الأمر يؤكد أن الشعب عموما ليس بحاجة إلى أيديولوجيات ضيقة تربطه بمشاريع خارجية, أو إلى خطب رنانة، أو إمبراطوريات من نسج الخيال على المنابر, أو إلى صراعات سياسية همُّها اعتلاء سدة الحكم, بل بحاجة إلى وطن آمن مزدهر, إلى برامج اقتصادية بنّاءة تعيد دورة الحياة, وتدير عجلة التطور بما يليق بالشعب والوطن, إلى مشاريع حقيقية تعيد ارتباط المواطن بوطنه بدلا من تفضيله الغرق على أن يبقى ضمن حدود بلده غريبا داخل الجغرافيا.
كل ذلك يجعل التونسيين توَّاقين لما يعيد وطنهم إليهم, وهو ما دفعهم إلى دعم قرارات "سعيد" الدستورية لتكون تونس لتونس والتونسيين، لا للخارج ولا للأشخاص ولا للأحزاب, تماما كما كانت مصر, وكما ستكون سوريا وليبيا واليمن ضمن معادلة الترابط العربي العضوي بمشروعه الموحد، طال الزمن أو قصُر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة