عامٌ على انفجار مرفأ بيروت، الذي مزق ستار الدولة وحصد أرواح 200 لبناني، ولا يزال لبنان في كارثة إنسانية واقتصادية وسباق مع الانهيار.
فالجرح اللبناني يكبر ولا يلتئم، في وقت تمنى كثيرون أن يكون انفجار المرفأ قد أثار التفاتة داخلية ودولية صادقة تجاه هذا البلد المنهك، وألا يكون ما بعد الانفجار شبيهاً بما قبله، لكن لم يأت ما بعد الانفجار بصفحة جديدة لإصلاح الحال، لا في أداء الطبقة الحاكمة، ولا في تغيير مواقف الأحزاب، ولا في الإجراءات القضائية، ولا في السياسة الغربية والدولية تجاه المتسببين والمسؤولين عن الحادث حتى الآن.
فمنذ انفجار المرفأ لم يُحاسَب أي مسؤول أمني أو سياسي، ووصل التحقيق منذ البداية إلى طريق مسدود، نتيجة المعرفة المسبقة بالمتسبب، وبسبب مقاومة الطبقة السياسية لرفع الحصانة القانونية التي يتمتع بها النواب والمسؤولون، وبسبب أن لبنان غارق في الطائفية والمذهبية والتعصب وهوس السلطة والمال.
بعد عام على الانفجار، لم يحصل اللبنانيون على أجوبة أسئلتهم، فما من إنسان كان يتخيل للحظة أن كل الأحزاب والطبقة السياسية تستطيع أن تعترف أو تقدم الجاني للعدالة، رغم أن الجميع يعرف أن مستقبل البلد يتوقف على هذا الحادث، فكشف الحقيقة والمحاسبة يعادل أم المعارك بالنسبة للبنان ولكل اللبنانيين، ولم يعد ممكناً ترك حادث الانفجار أن يذهب طي النسيان بالقصد أو الإهمال، لأنه جريمة ضد الإنسانية لا حصانة فيها لأي كائن، فالعدالة أولوية، وعلى القضاء ألا يختبئ خلف حصانات مزعومة، أو من يحمي هذه المنظومة أو يؤخر التحقيق.
بعد عام على الانفجار، أهالي ضحايا مرفأ بيروت يتظاهرون في يوم المطالبة بالعدالة، لكنهم ينظرون بريبة شديدة إلى إجراءات المسؤولين وتنصُّلهم من الكشف عن حقيقة الانفجار.
ففي الذكرى الأولى لتفجير المرفأ نجا الفاعلون والفاسدون ولم تنجُ الدولة والشعب، فعمل مروع كهذا ما كان يمكن أن يحصل لولا سيطرة "حزب الله" الإرهابي على لبنان وإضعافه الدولة وقدرتها على الرقابة والمحاسبة، فلبنان الغارق في مستنقع الفساد لا يحتمل المزيد من التوتر أو المخاطرة بهز الاستقرار القائم فيه، والذي يجيد "حزب الله"، بأوامر إيرانية، توريطه وتشتيت الجمهور اللبناني بصناعة وزراعة واستحداث وافتعال أزمات داخلية وخارجية لا تنتهي.
لبنان هو النموذج الأكثر وضوحًا للأزمات الحزبية، وهو بحاجة إلى حكومة تملك الإرادة لاستعادة البلد، حكومة أفعال لا أقوال، لها كل الصلاحيات وتمتلك رؤية من جهة، وقدرة على تعطيل هيمنة "حزب الله" من جهة أخرى، وهذا ربما يصعب على نجيب ميقاتي، المكلف بتشكيل حكومة لبنانية، حال استطاع تمرير وتشكيل حكومته أصلا، لأن عبارة "تشكيل حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة" تعني اقتناع العالم والأمم المتحدة بأنّ هناك حكومة لبنانيّة يمكنها أن تتحرّر من سيطرة "حزب الله"، ومن ثم يتمكن لبنان رسميا من تلقي مساعدات دولية تعينه على القيام بالإصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار والفقر في هذا البلد الذي يحتل المرتبة الثالثة عالميا من ناحية تلقي التمويل والمساعدات الإنسانية الدولية، بعد سوريا واليمن.
لا شك أنّ ذكرى انفجار مرفأ بيروت ليست منصة للاستثمار السياسي في أحزان المواطنين المنكوبين، كما أن المؤتمر الدولي للمانحين ليس طوق النجاة الوحيد لبلد منكوب، فأي دعم مهما كانت قيمته ومكانته لا يمكن أبدًا أن يزيل ألم الشعب اللبناني من انفجار المرفأ، كما أن تقديم المساعدات للحكومة اللبنانية يجب أن يكون مرهونا بإجراء إصلاحات جادة وضمان وصول المعونات إلى مستحقيها، بعيدا عن تدخلات "حزب الله" الإرهابي، المدعوم إيرانيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة