صحيح أن الخبر هو الخبر، لكن الأهم كيف يتم التقاطه وإبرازه، وشرح معطياته، وذلك صحافياً، لكن أيضاً كيف يجب تأطيره وفهم أبعاده السياسية، خصوصاً إذا كان خبراً لافتاً، وما قبله شيء، وما بعده شيء آخر.
والخبر في لبنان ليس أن "حزب الله" أطلق تسعة عشر صاروخاً على شمال إسرائيل، بل إن الخبر الأهم، والحدث، هو أن أهل قرية "شويا" اللبنانية قاموا بإلقاء القبض على عناصر الحزب وسلموهم للجيش.
أهالي "شويا"، إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء حاصبيا بمحافظة النبطية، قاموا بإيقاف شاحنة منصة صواريخ "حزب الله"، وأربعة من عناصر الحزب، بعد إطلاقهم الصواريخ على إسرائيل من وسط منازلهم بالقرية.
فعل أهل "شويا" ذلك خشية أن يأتي الرد الإسرائيلي على مصادر إطلاق الصواريخ، مما يعني تدمير منازل القرية، وإتلاف مصادر رزق سكانها المحدودة كحال كل لبنان اليوم.
هذه تفاصيل الخبر، باختصار، لكن القصة أكبر، حيث نرى الآن في لبنان من يتصدى لعناصر "حزب الله"، ليس دفاعاً عن إسرائيل، وإنما للقول "كفى لعبث الحزب وإيران من خلفه"، كما فعل بعض العراقيين.
عراقياً، وخصوصاً مناطق أبناء الطائفة الشيعية، فإن من يتصدون للمليشيات الإيرانية ويهاجمون المقرات الإيرانية هناك، هم العراقيون الشيعة الرافضون للوجود الإيراني ووجود المليشيات المحسوبة على طهران في أراضيهم.
ولولا الوجود الروسي-الإيراني في سوريا لرأينا السوريين يفعلون الأمر نفسه ضد المليشيات الإيرانية على أراضيهم، لكن العُزل في سوريا يخشون سطوة المليشيات الإيرانية، وتغول الوجود الروسي هناك، ولا أحد ينكر أن السوريين أصلاً دفعوا ثمناً باهظاً.
وعليه، فنحن أمام حالة وعي جمعي، وبمناطق نفوذ إيران ومليشياتها، بأن "كفى تعني كفى"، ولم يعد ينطلي حتى على أبناء القرى في الدول الواقعة تحت سطوة النفوذ الإيراني لا قصة "مقاومة" ولا "ممانعة"، ولم تعد إسرائيل همهم أو عذراً مقبولاً لشن الحروب.
ومن الطبيعي أن يفقد "حزب الله" صوابه حيال إلقاء القبض على عناصره، وتصويرهم وبعض من أهل القرية اللبنانية ينهالون عليهم بالضرب، فالحزب يدرك خطورة هذا التحول، كما يدرك خطورة فقدانه "الهيبة" المزعومة والعمق الشعبي اللبناني.
وللأسف فإن الغرب لا يدرك كل ما سبق أعلاه، أو لا يريد إدراكه وهو يفاوض إيران على ملفها النووي، فقصة إلقاء القبض على عناصر "حزب الله" هي امتداد للاستفاقة الشعبية بالدول الواقعة تحت سطوة نفوذ إيران، ضد نظام الملالي، وامتداد للتحركات الإيرانية الشعبية المناهضة للنظام في إيران نفسها.
وما لا يفهمه الغرب أن الإيرانيين أنفسهم، والشعوب العربية الواقعة تحت سطوة النفوذ الإيراني، لم تعد تتحمل مشروع الملالي الفاشل، مشروع الحروب والدمار، والفرقة الطائفية.
وما لا يستوعبه الغرب أيضاً أنه يفاوض النظام الإيراني وهو في أسوأ مراحله الاقتصادية والسياسية، ووسط رفض عارم له في إيران نفسها، والمنطقة.
لذا فإن الخبر بلبنان ليس إطلاق صواريخ "حزب الله" على إسرائيل، وإنما إلقاء القبض على عناصر الحزب من قبل أهل القرية اللبنانية.
الخبر مهم ولافت، فهل في الغرب من يستوعب ذلك؟ أشك!
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة