ثمانية عشر شهرا كاملة لم أنقطع فيها عن العمل حتى في ذورة الإغلاق بسبب جائحة كورونا وما فرضته من عمل عن بعد.
شاء الله ألا يدخل فيروس كورونا جسمي إلا متأخرا بعدما تلقيت جرعتي اللقاح، فجاءت الأعراض بسيطة بفضل الله، متمثلة في التهاب اللوزتين وارتفاع الحرارة وإرهاق، فاعتقدت في البداية أنها نزلة برد، ومع ذلك توجهت مباشرة إلى مركز الفحص، فجاءت النتيجة سلبية، ولكن بعد يومين انتبهت وأنا أستعد للخروج إلى المكتب أن عطري فقد رائحته!
توجهت مباشرة إلى مركز فحص سريع، وعدت إلى البيت أنتظر، وبعد ثلاث ساعات وصلتني رسالة تؤكد إيجابية الفحص، فحمدت الله على ذلك وعلى أنني من أوائل من تلقوا اللقاح في العالم بفضل إقامتي في دولة الإمارات الطيبة المباركة.
تواصل معي قسم المؤسسة المعني بمتابعة المصابين وأبلغوني بتفاصيل الإجراءات التي يجب اتباعها، وكانت مكالمة هادئة تبعث الاطمئنان من الزميل المسؤول.
توجهت مباشرة إلى مستشفى "المفرق"، حيث أجريت بعض الفحوص، وتقرر أن أدخل الحجر المنزلي مع سوار في اليد لمتابعة حالتي ووصفات دواء لتقوية المناعة.
فور وصولي المنزل ورد إليَّ اتصال من شركة صحة، كانت المتصلة شابة تتحدث اللهجة الإماراتية، قدمت نفسها واطمأنت عليَّ، ثم تكرر هذا الاتصال طيلة أيام الحجر العشرة، وفي صباح اليوم التالي اتصل طبيب يعمل في شركة صحة للغرض ذاته وأسدى إليَّ بعض النصائح والتوجيهات.
وفي اليوم الثالث تلقيت اتصالا من شركة تنظيف، أبلغوني بأنهم تحت الخدمة بأمر من شركة صحة، وأرسلوا موظفا لأخذ النفايات من البيت، وفي رابع يوم تلقيت اتصالا من شركة أبلغتني بأنهم سيرسلون ممرِّضا في اليوم الثامن من الحجر لإجراء فحص PCR، وكانوا عند وعدهم.. رنّ جرس البيت مساء اليوم الثامن، وإذا بممرض جاء لتقييم حالتي وأخذ عينة من الأنف لإجراء الفحص وأبلغني بأنه سيأتي في اليوم العاشر ليفك السوار.
وَفَى الممرض بوعده، تحررت من السوار لتنتهي رحلة الإصابة بفيروس كورونا، إلا أن رحلتي مع التمعن في الخدمات، التي قدمت لي لم تنته، خصوصا أن هذه الخدمات تقدم لجميع المصابين في الإمارات، مواطنين ومقيمين، على حد سواء.
تساءلت: هل أستحق وملايين المقيمين في هذا البلد كل هذا الاهتمام ونحن مجرد مقيمين في بلد لا ندفع فيه أي ضريبة على الدخل وجميع هذه الخدمات تقدم لنا مجانا؟
في الواقع، فإن الفراغ خلال فترة الحجر المنزلي قادني إلى التفكير دون قيود في مواضيع شتى، فتارة تراودني الوساوس بأن هذه قد تكون أيامي الأخيرة، ويتعزز هذا الشعور بتلقي الأخبار، التي لا تنقطع عن وفاة فلان وعلان من مشاهير الناس وبسطائهم بفيروس كورونا، وأحيانا يتسرب الأمل والبهجة إلى روحي حين أستحضر الاهتمام الذي ألاقيه كمريض من السلطات الصحية في الإمارات، فاتصالاتهم بلسم يضمد جراح القلب ويؤنس الوحدة.
كانت اتصالات الأصدقاء والزملاء والمديرين ورسائلهم مؤنسا حقيقيا لي خلال فترة الحجر، وهنا أذكركم جميعا بألا تبخلوا بعيادة المريض، ففيها من التخفيف عنه الكثير.. اتصالات متكررة كانت مفرحة باعثة على السرور، كتلك المكالمة الواردة من المدير التنفيذي لقناة "سكاي نيوز عربية"، الأستاذ "أبو يوسف"، كما يفعل مع جميع موظفي القناة الذين أصيبوا خلال هذه الجائحة.
لم يكن ما تلقيته من دعم من الإخوة والزملاء وعناية من الدولة مفاجئا أبدا، لكن المفاجأة التي لم أتوقعها أن يكون تنظيم الإخوان مصدر تسلية لي طيلة مدة الحجر، فقد كان لدي الوقت لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وما تنقله من أخبار عن الأوضاع في تونس، فكان تباكي تنظيم الإخوان وداعميهم على ما يسمونه "ديمقراطية" مسليا، وكانت بيوت وسرادقات العزاء التي فتحها الإخوان حدثا مثيرا للسخرية، خصوصا وصفهم للرئيس قيس سعيد بأوصاف تتنافى مع كونه فقيها دستوريا تغنى به الإخوان حين اختير لرئاسة الرابطة الدولية لفقهاء القانون الدستوري.
أيضا تسليت كثيرا ببرنامج أنتجته إحدى القنوات وصرفت عليه مبالغ ضخمة، ثم كانت المحصلة حسرة، بل حسرات، عليها.
أيام عشرة لم تكن سهلة، ولكنني اكتشفت فيها خطورة فيروس كورونا، وضرورة أخذ اللقاح المضاد له، كما تعززت لدي روح الانتماء لدولة الإمارات العربية المتحدة، ورأيت رأي العين صدقية كلمة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، "لا تشلون هم"، كما تأكدت أن الديمقراطية التي يتباكى عليها الإخوان لا تساوي فلسا واحدا عندهم إذا حرمتهم الوصول لكراسي الحكم، مجسدين أبشع صور النفاق السياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة