سيذكر التاريخ لدولة الإمارات إسهامها المتواصل على المستوى الإنساني والسياسي والدبلوماسي، في تقديم دعم قوي للقضية الفلسطينية.
فمنذ بدء التصعيد في قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كثّفت دولة الإمارات جهودها داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، من أجل الدفع بوقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية لفلسطينيي القطاع، وعقد مجلس الأمن 13 جلسة بشأن غزة وفلسطين، جاءت 8 منها بطلب مباشر من دولة الإمارات، وقدّمت خلالها مشروعي قرار لوقف الحرب في القطاع.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، طرحت دولة الإمارات مشروع قرار على المجلس دعمته أكثر من 96 دولة عضوا بالأمم المتحدة، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية في قطاع غزة، وحذّرت في مشروع القرار من الحالة الإنسانية الكارثية في القطاع، داعية إلى حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
لكن لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض "الفيتو" قد تسبب في عرقلة اعتماد القرار الذي أيّده 13 عضوًا- من أعضاء المجلس الخمسة عشر- مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
ورغم عدم تمرير هذا القرار، فإنه قد عكس إصرار دولة الإمارات وحرصها الشديد على الدفاع عن المدنيين الفلسطينيين والالتزام بدعوة الجميع لتطبيق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة فيما يخص حماية المدنيين، وبالتالي فإن المهم ليس فقط تمرير مشروعات القرارات وإقناع جميع أعضاء المجلس بالموافقة عليها ومن ثم صدورها، لكن أيضاً تكمن الأهمية في التحرك ذاته، الذي يكشف المواقف ويوضح حدود وسقف واتجاهات القوى الكبرى.
ويمكن القول إن اللجوء إلى "الفيتو" في مثل هذه الأحوال والظروف يمثل عبئاً وخصماً من رصيد الدبلوماسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن عرقلة مشروع القرار الإماراتي لا يقلل مطلقاً من جهود ممثلي الدولة ولا في أهمية الطرح الذي يضع مجلس الأمن الدولي أمام مسؤولياته.
لكن الجهود الإماراتية لم تتوقف أو تتراجع، حيث تقدّمت دولة الإمارات بمشروع القرار رقم 2720، الذي تم اعتماده من المجلس، ويطالب باتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين بالمجال الإنساني على الأرض.
ونص القرار أيضًا على تعيين كبير لمنسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار، يكون من ضمن مهامه رصد الشحنات الإغاثية التي تُسلّم إلى القطاع، وإنشاء آلية مساعدات تحت قيادة الأمم المتحدة وليس إسرائيل، الأمر الذي أثار حفيظة تل أبيب وواشنطن في البداية.
ويعكس اعتماد القرار الإماراتي بمجلس الأمن بعد فترة وجيزة من "فيتو" أمريكي ضد مشروع قرار سابق لدولة الإمارات، حجم الإصرار الكبير على دعم الشعب الفلسطيني، فخلال الفترة ما بين مشروعي القرار، نسق الوفد الدبلوماسي الإماراتي زيارة لأعضاء مجلس الأمن إلى معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، لإطلاعهم مباشرة على الحاجة الماسة لوقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية.
وكانت هذه الزيارة لفتة دبلوماسية ذكية للغاية، حيث لا تكفي الكلمات والبيانات للتعبير عن أهمية المطالب الإماراتية، خاصة أن هناك كماً هائلاً من الشكوك والحروب الإعلامية التي تؤثر من دون شك في اتجاهات الرأي العام العالمي، لذلك كان ترتيب هذه الزيارة بمثابة تحرك واعٍ بقيمة البراهين والأدلة الفعلية لاستقطاب مواقف أعضاء مجلس الأمن والتفرغ لإقناع القوى الداعمة بقوة لإسرائيل، ولا سيما الولايات المتحدة، بالموافقة على الصيغة التي تطرحها دولة الإمارات ولا سيما على صعيد الإسراع بتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لنحو مليوني نازح ولاجئ.
من المؤكد أن تعاطي دولة الإمارات عبر مجلس الأمن الدولي مع أزمة غزة وغيرها من الأزمات العالمية يكشف عن دبلوماسية رصينة تمتلك رؤية بعيدة المدى قادرة على بناء التوافقات وتفادي الانقسامات والبناء على المشتركات مهما كانت محدودة، وهو نجاح مشهود لا سيما أن دولة الإمارات كانت ولا تزال تمضي على حبل مشدود كما قال أحد الخبراء، بين التعامل العقلاني الواقعي والنظر للمستقبل ومصلحة الشعوب من جهة، وبين العمل الدعائي الذي قد يضمن عوائد سياسية سريعة من جهة ثانية، وما يؤكد ذلك بقوة أن جميع الدوائر السياسية العالمية باتت على يقين بأن دولة الإمارات قد ارتهنت مشاركتها في إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب بوجود خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ لحل الصراع من خلال حل الدولتين، وهذا هو الدور السياسي الأقوى عربياً في ظل الشواهد القائمة، حيث وظفت دولة الإمارات دورها وإمكاناتها من أجل تحقيق هدف استراتيجي حيوي يضمن الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة