احتفل، أمس الأحد، العالم باليوم العالمي للأخوة الإنسانية. وهو اليوم الذي كانت دولة الإمارات سباقة إلى فكرته، وصاحبة المبادرة بالدعوة إلى تحديد يوم يستحضر فيه العالم القيمة العليا للعلاقات بين البشر وهي "الأخوة".
وبهذه المناسبة، انطلقت أمس الأحد أعمال المؤتمر الدولي "الإسلام والأخوة الإنسانية: أثر إعلان أبوظبي للعيش المشترك وآفاقه" الذي ينظمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات بالتعاون مع المنصة الجامعية لدراسة الإسلام في باريس، وعلى مدار أربعة أيام يسعى المؤتمر إلى قراءة أثر وثيقة الأخوة الإنسانية، وهي تدخل العام الخامس لها وتقييم التجربة وفق ثلاثة محاور متوازية، وهي: محور اجتماعي قانوني، ومحور جيوسياسي، والمحور الثالث يتناول الفكر الديني واللاهوتي.
والأخوة الإنسانية هي واحدة من القيم الأساسية التي تضعها دولة الإمارات منطلقاً لرؤيتها العالمية وغاية لسياساتها وتوجهاتها في نفس الوقت، وكان للدولة الفضل الأول في تدشين وقيادة توجه عملي لتعزيز الأخوة وترجمتها على مستوى العالم، خاصة في نطاق المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي وعلى رأسها الأمم المتحدة، وأثمرت الجهود الإماراتية عن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً قدمته دولة الإمارات بإعلان الرابع من فبراير/شباط من كل عام ليكون اليوم العالمي للأخوة الإنسانية، وهو اليوم الذي شهد فيه توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" في عام 2019.
على العالم أن يتذكر دائماً ارتباط اليوم العالمي للأخوة الإنسانية بقلب وعقل الإمارات، وتوارث مفهوم الأخوة الإنسانية من الفلسفة والحكمة التي رسَّـخها الـمـغـفـور له الـشـيـخ زايد بــن سلطان آل نهيان، فكما أسس الدولة ووضع لبناتها الأولى كدولة متقدمة وذات شأن، زرع أيضاً في الإمارات حكومة وشعباً الإيمان بقيم التسامح والتعايش، والقناعة بنهج الـسلام والتعاون والأخوة بين الـبـشـــر. وها هي تلك القواعد الأساسية تكتسب زخماً جديداً وحيوية متجددة بفضل رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله.
وجدير بالذكر أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كان حريصاً على تفعيل توجه الدولة واهتمامها بترسيخ وتعزيز مفهوم الأخوة الإنسانية، من قبل أن يتولى منصب رئيس الدولة، فقد كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمثابة المحرك النشط والقوة الدافعة الفعالة وراء واحدة من أهم وأكبر الإنجازات العالمية في مجال التعايش الإنساني، وأقصد بها وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي لعب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الدور الأكبر والمحوري في بلورتها وحشد الدعم والتأييد العالمي لها، والذي تمثل في رعاية أكبر مؤسستين دينيتين في العالم لها، "الأزهر الشريف" و"الفاتيكان"، وقد تُوّجت تلك الجهود بحضور كل من الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلى دولة الإمارات، وتوقيع كل منهما على وثيقة الأخوة الإنسانية، في 4 فبراير/شباط 2019، لتكتمل بذلك عملية تأطير ذلك اليوم العالمي للأخوة الإنسانية.
ولأن دولة الإمارات تجمع دائماً في سياساتها بين الشق العملي إلى جانب الرؤية والمنطلق، فإن وثيقة الأخوة الإنسانية لم تكن نهاية جهود الدولة في هذا الصدد، بل كانت بداية وأساس للانطلاق نحو تكريس مفهوم الأخوة والتعايش بين الشعوب، فعملت الإمارات بأشكال متنوعة على تحويل المبادئ التي تضمنتها وثيقة الأخوة إلى واقع تعيشه البشرية وقناعات يؤمن بها الإنسان في كل مكان، فعلى مستوى المبادئ والأسس المفاهيمية أحيت دولة الإمارات جهوداً قديمة كان هدفها التقريب بين الديانات والحوار بين الحضارات.
وللقفز على المصاعب والعقبات وبحثاً عن النقاط المشتركة اتخذت دولة الإمارات مدخلاً مختلفاً يبدأ بالدائرة الضيقة التي تشمل الديانات الإبراهيمية الثلاثة، حيث القواعد الأساسية والقيم والمبادئ والمعتقدات تتشابه وتكاد تتطابق، لتكون عملية التقارب والتفاهم بين أصحاب الديانات الثلاثة نموذجاً يمكن الاقتداء به وتقديمه للعالم كنموذج يُحتذى به في التفاهم والتعايش بين ذوي العقائد المختلفة، وذلك على خلفية الاشتراك في الهوية الإنسانية المتجردة باعتبار سكان الأرض جميعاً بشراً في المقام الأول، وقبل أي تعريف آخر أو هوية محددة لكل منهم.
دولة الإمارات وهي تحتفل باليوم العالمي للأخوة الإنسانية تقدم نموذجاً للتكامل والتنوع والشمول في معالجة هذا الملف الإنساني المهم، كما أنه باستمرارها في هذا النهج الإنساني تلتقط النتائج المثمرة لهذا التكامل والشمول، لتحولها إلى خطوات ملموسة وسياسات من شأنها الاقتراب أكثر وأكثر من تطبيق وتعميق مفهوم الأخوة الإنسانية في كل زمان ومكان، وبين كل البشر لأنه أفضل مدخل ومقاربة: لتحقيق الاستقرار والتنمية في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة